في كتابه الجديد لا يركز جون سوشيت مؤلف السير الذاتية الشهير على الإبداعات الموسيقية غير العادية لموزارت، بل انه يقدم لمحة ممتعة لحياة ذلك الشاب العبقري والعالم الذي كان يعيش وسطه . كان والده مستبداً، يستخدم لغة قذرة، و يميل للتصرف بش
في كتابه الجديد لا يركز جون سوشيت مؤلف السير الذاتية الشهير على الإبداعات الموسيقية غير العادية لموزارت، بل انه يقدم لمحة ممتعة لحياة ذلك الشاب العبقري والعالم الذي كان يعيش وسطه .
كان والده مستبداً، يستخدم لغة قذرة، و يميل للتصرف بشكل غير لائق. ومع مرور السنين، سوف يسبب غرور ذلك الأب وأنانيته سلسلة من المشاكل لموزارت في حياته الشخصية والمهنية.
كان الرجل الذي يعتبر من اعظم الشخصيات الموهوبة في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية الغربية، يمتلك مجموعة من الصفات الشخصية الغريبة ، بما في ذلك الميل لصنع "المقالب والنكات "، التي لا يمكن أن تشرح تفاصيلها في منشورات محترمة.
ومنذ أن كان موزارت صبياً صغيراً، تم الاعتراف بقدراته الموسيقية. وفي الواقع، كان والده ليوبولد، واحداً من ألمع الموسيقيين الموهوبين في سالزبورغ، وأدرك أن كلاً من أبنائه، وولفغانغ وشقيقته الأكبر نانيرل، يمتلكان مواهب موسيقية غير عادية ، و كان عازماً على رعايتها وتطويرها واستثمارها.
كان ليوبولد معلمهم الوحيد، وكانت توقعاته لمستقبلهم كبيراً، خاصة بالنسبة للولد الصغير الذي كانت عبقريته قد تكشفت بشكل واضح في سن مبكرة، عندما بدأ يعزف الألحان على لوحة مفاتيح البيانو . كانت الخطة، التي نفذها ليوبولد بلا كلل، أن يعزف أطفاله الموسيقى في صالونات وقصور أوروبا الغنية والقوية، وبالتالي يوفرون للأسرة ما كانت تحتاجه للبقاء على قيد الحياة. يقول جون سوشيت، مؤلف السيرة الذاتية المثيرة لموزارت:: "لم يكن لديه فرصة للتخلي عن المال".
في حياة مليئة بالمآسي مثل اعمال الأوبرا التي قام بتأليفها ، ولد موزارت، في سالزبورغ في عام 1756 وتوفي بعد 35 عاماً في ظروف مالية عصيبة ، وذاع صيته في جميع أنحاء أوروبا قبل أن يبلغ سن المراهقة. اما ليوبولد، الذي ادرك الإمكانات الاقتصادية لموهبة ابنه، وبدرجة أقل، ابنته، فقد استخدم اولئك الأطفال لكي يجعل أسرته تقف على قدميها. كان يصطحبهم إلى أي مكان يجلب لهم النقود.
وهذا يعني أن أطفال موزارت كانوا يجوبون أوروبا، وهم يعزفون الموسيقى امام الملوك والملكات والدوقات وحتى البابا. وكان وولفغانغ، ونانيرل، ووالدهم المغامر يتجولون في اماكن عدة وهم يحملون آلاتهم الموسيقية. وكان من بين مواهب الصبي موزارت البارزة قدرته على العزف ببراعة، ويعرض المؤلف جون سوتشيت، الذي ألف العديد من الكتب التي تناولت الموسيقى الكلاسيكية وكان يقدم برنامجاً إذاعياً صباحياً موسيقيا ً في بريطانيا، وثائق تتضمن تفاصيل رائعة، عن رحلات موزارت التي لم تكن سهلة وممتعة دائماً بل على العكس من ذلك، أمضى موزارت سنوات وهو يجوب البلدان ، يعرض مواهبه على نبلاء أوروبا، الذين كانوا يدفعون مبالغ كبيرة لأجل سماع الأطفال الصغار وهم يعزفون الموسيقى .في عام 1763، بدأ الأربعة (الوالدين والطفلين) واحدة من مغامرتهم، التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات وقطعوا فيها آلاف الكيلومترات . وقد قام موزارت، الذي كان يسافر عبر طرق مروعة، و في كثير من الأحيان في جو مخيف، بزيارة عشرات المدن والبلدات التي رتب فيها ليوبولد حفلات له ولشقيقته التي خلبت لبّ المستمعين من فيينا إلى لندن.و بعد نحو 70 عاماً من الاستماع إلى عبقرية هولاء الشباب، ذكر أحد الحاضرين المحظوظين، وهو الأديب البارع غوته أنه كان مسحوراً بأداء "الرجل الصغير ذي الشعر المستعار والذي كان يحمل سيفاً"، أهدته له الإمبراطورة ماريا تيريزا.
وبعد أن غادر موزارت سنوات الصبا اصبحت، علاقته مع والده، والتي تمثل الموضوع الرئيس لهذا الكتاب وقد تناولها المؤلف بأناقة تحسب له ، أصبحت مليئة بالمشاكل والازمات والمتاعب وعلى نحو متزايد، وكانت تلك هي النتيجة الحتمية لمتطلبات والده وإلحاحه الذي لم يكن ينتهي عند حد. وسواء كان ذلك الشاب يؤلف قطعة موسيقية أو يحاول أن يغازل امرأة، لم يكن والده يتردد في الكشف عن اسراره ويخيب آماله . وهذا يوضح أن سيطرة الأب على ابنائه ليست أمراً جيداً في كل الازمان والاوقات.
الكثير من صفحات الكتاب تستكشف جهود موزارت في بناء شخصية مستقلة عن أبيه، والتي يتتبعها المؤلف من خلال استخدامه الماهر للرسائل الشخصية، التي كان يبعثها الابن إلى الأب. وهذه الرسائل تسمح لنا أن نسمع صوت موزارت بينما كان يحاول أن يشق طريقه في العالم. وكما يلاحظ المؤلف بحق، فأنها توفر "نظرة رائعة الى شخصيته.
وفي حين أن هذا الكتاب "لا ينظر عن كثب في المؤلفات الموسيقية الرائعة و غير العادية التي ألفها موزارت، لكنه يوفر لمحة خاطفة لا تنسى عن حياة هذا الشاب العبقري . ومن الجدير بالملاحظة أنه، كما جاء في رد فعل جوزيف هايدن، الذي اخبر ليوبولد والد موزارت ، عندما سمع موسيقى موزارت، أن ابنه كان "اعظم موسيقار عرفته ". هذه المشاعر التي عبر عنها رجل كان يعرف جيداً ما هي الموسيقى، جعلت الأب والابن يشعران باحساس عميق بالفخر لما انجزاه. وربما كان كفاحهما الطويل يستحق ذلك، رغماً عن كل شيء.
عن: كريستيان ساينس مونيتور