TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نظارات سود

نظارات سود

نشر في: 25 سبتمبر, 2017: 09:01 م

في السينما ، يكفي أن يضع الممثل نظارة سوداء على عينيه ليفهم المشاهد إن الشخصية خرجت من جلدها وستمارس أموراً غير مقبولة ولا تريد أن يتعرف عليها الآخرون.. علمتنا وسائل الترميز السينمائية ذلك وتخيلناه ونحن نقرأ الروايات والقصص فالمرأة التي تضع نظارات قاتمة السواد وتمعن في اخفاء ملامح شخصيتها المعروفة بتغيير تسريحتها أو ثيابها قد تكون امرأة سيئة السمعة أو خائنة ورجل الأعمال الذي يخفي عينيه تحت نظارة سوداء سميكة وهو يعقد صفقة ما حريص تماماً على أن لا يرى الاخرون عينيه جيداً لانهم قد يقرأون فيهما حجم استغلاله لهم أما حين يفعل اللص ذلك فهو يعبر عن خوفه من أن يتعرف عليه أحد وتصبح ملامحه أليفة في مراكز الشرطة..
هناك عالم كامل يتحرك خلف النظارات السود التي انتشرت ظاهرتها كثيراً مؤخراً ونظرة بسيطة حولنا ستثبت لنا ذلك فالجنود الامريكان كانوا يضعونها لوقاية أعينهم من شمسنا الساخنة كما أظن، وافراد قواتنا الأمنية المحلية كانوا يضعونها لحماية انفسهم ممن يستهدفون عناصر الشرطة والجيش وواصلوا ذلك إمعانا في اثبات سلطتهم في الشارع ، كما يضعها المسلحون على اختلاف انواعهم حين يقدمون على اختطاف أو قتل شخص أو اشخاص ما، ويستخدمها المراهقون غالباً على سبيل التقليد أيضا ، ويختفي خلف قتامة لونها افراد الحمايات الخاصة و"البودي غاردات" كما يضعها السياسيون والقادة غالباً حين يخرجون للقاء الناس لأن الشعب قادر -على بساطته - على قراءة أعين حكامه حتى لوعجز عن مقاومة ظلمهم!!
بعض القنوات الفضائية- المحلية خصوصاً- ترتدي هذه النظارات السود بدورها وهي تظهر عكس ما تبطن وتعبر عن افكارها الخاصة والسوداء أيضاً بأساليب مختلفة لتصل الى المشاهد وتسقي بذرة استيائه مما يحدث إن لم تكن بذرة حقده أو ضغينته لتحصد بالتالي انحيازه الى طائفته أو قوميته وتقوقعه داخلها والكلام بإسمها والعزف على أوتارها..
بعض هذه القنوات تسمي الأشياء باسمائها وتضع غشاوة سوداء على أعين المشاهدين في وقت يحتاجون فيه الى مشاهدة ألوان الطيف الشمسي المختلفة ليزدان بشيء من الأمل فلا يساعده الانحياز للابيض أو الأسود أو لأي لون كان على اجتياز الأزمة..
يمكن أن نغفر لبعض تلك القنوات حداثة سنها وقلة خبرتها، إذا كان هذا هو السبب وراء ما تدسه وليس ما تقدمه، إما أن تكون واعية بكل ما يحدث فلن يبرئها حتى الاختباء وراء نظارات الإعلام الرخيص السود لأن الضغائن الكبرى لا تشعلها النيران.. بل الكلمات..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram