تداعيات ما تشهده المملكة المتحدة البريطانية، منذ ما يقارب العام وللآن، من زلزال درامي وعاصف إثر استفتاء خروجها من الاتحاد الأوربي وما تركه على موقعها في الساحة الدولية، تسلل الى كلمات المديرة التنفيذية لمعهد الفيلم البريطاني أماندا نيفيل وهي تقدم لبر
تداعيات ما تشهده المملكة المتحدة البريطانية، منذ ما يقارب العام وللآن، من زلزال درامي وعاصف إثر استفتاء خروجها من الاتحاد الأوربي وما تركه على موقعها في الساحة الدولية، تسلل الى كلمات المديرة التنفيذية لمعهد الفيلم البريطاني أماندا نيفيل وهي تقدم لبرنامج دورة مهرجان لندن السينمائي، المشرف على هذه التظاهرة، من 4 ولغاية 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، الحادية والستين.
ذلك أن مفاعيل ذلك الاستفتاء، "الطلاق من أوربا" كما تصفه وسائل الإعلام المحلية، طرح تساؤلات ونقاشات حامية على المعنيين بالشأنين الثقافي والفني، مثلما طرح بشكل حام وحاد على النخب السياسية بما يحمله من عواقب جمة، على المديين القريب والبعيد، في هذا البلد المعتد بعزلته وبإرثه الأمبراطوري. من الواضح أن نيفل تبحث عن فرص جذب لاستثمارات وعلاقات تعاون، بما فيها أوربا، عبر تسليع تاريخ تظاهرة فنية عريقة من جهة، ولإسم مدينة لها وقع في أذهان الناس بما تملكه من مكانة وإغراءات لصناعة السينما من جهة ثانية. لذا، جاءت كلماتها وكأنها دعوة مفتوحة للمشتغلين بالصناعة السينمائية، ولتقول رغم "طلاقنا" من أوربا فإن هذه التظاهرة مازالت قادرة على الانفتاح على ما هو جديد في عالم السينما بغض النظر عن مصدر. "قلب لندن الكبير"، كما تقول، ستُفتح أبواب صالاته ليحتضن عرض أكثر من 242 شريطاً سينمائياً طويلاً، فضلاً عن الأفلام القصيرة وما جرى استحداثه ضمن فقرة "إبداع، وقادمة من 67 بلداً، وفي فضاء مدينة عُرفت أجواء حريتها وتسامحها وتعدد ثقافات سكانها وأصولهم.
فيما لم تبتعد كلمات الناقدة السينمائية كلير ستيورات، المديرة الفنية للمهرجان، كثيراً عن زميلتها في الإشارة الى الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المضطرب في عالم اليوم والمثخن بحروب وأزمات مالية وسياسية. ولتذَكر بالتحديات التي تواجهها الصناعة الفيلمية في هذا العالم المضطرب عبر اشتقاق لغتها الفنية في مقاربة موضوعات تقارب واقعنا أو أقله تجعلنا نقترب منه. إذ تفتخر بالسعي الى تحويل هذه التظاهرة الى منصة انطلاق عالمية، وعبر اختيارات يشكل عرضها الدولي الأول أو الأوربي وكأنه مشروع طموح سيتكفل الزمن والعمل الجاد بتحقيقه. لكنها، وبحكم نزعتها النسوية، تشتكي من ضعف الحضور النسوي خلف الكاميرا، إذ هناك 13 بالمئة من بين اشتغالات سينمائية ضمها برنامجها المنوع منفذ بأيدٍ نسوية. ومثلما ستكون الاشتغالات السينمائية البريطانية حاضرة بقوة ضمن فقرات هذه الدورة، فان ستيورات وفريق عملها تمكن من ضم تشكيلة سينمائية معتبرة، ثقلها ما عرض في مهرجانات سينمائية دولية مثل كان وفينيسيا ولوكارنو وتورنتو، ولبرنامج دورة استثنائية، خصوصاً لجهة تمثيل السينما القادمة من العالم العربي. ولم يفت على القيمين على هذا التظاهرة، وبالتزامن مع الاحتفال بمرور 50 عاماً على الرفع الجزئي للتمييز تجاه "المثلية" في هذا البلد، تطعيم برنامج هذه الدورة بما يدرج ضمن هذه الخانة.
شريط الافتتاح
يفتتح المهرجان بشريط "تنفس" للممثل والمخرج البريطاني أندي سركيس، والده الطبيب الأرمني العراقي كلمونت سركيس، وفي عمله الإخراجي الأول. إذ عرُف أندي بتأدية أداور سينمائية عديدة وكانت أشهرها شخصية "غلوم" في ثلاثية "ملك الخواتم. يدور "تنفس"، مقتبس من قصة حقيقة، حول قصة حب تنتهي بزواج الشاب روبن (أندرو غارفيلد) بالجميلة ديانا (كلير فوي)، إلا أن انتقالهما الى أفريقيا، نايروبي، تقلب توقعاتهما بحياة رغيدة إثر إصابة روبن بشلل الأطفال المتأخر وبما يهدد حياته حسب تشخيص الأطباء، ما يضع الزوجة إزاء قبول تحدي عوق زوجها الى نهاية الشوط. فيما سيكون شريط "ثلاث لوحات خارج أيبنغ، ميسوري" لمواطنه مارتن ماكدوناه، فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان فينيسيا الأخير. ويدور حول سيدة تقف عاجزة عن تتبع قتلة أبنتها بعد فقدانها الأمل في الشرطة المحلية وسكان منطقتها. بين فيلم الإفتتاح والختام هناك عشرات الأفلام وكأننا إزاء وسيط فني لم يبق قضية إلا وتوقف عندها وناقشها. منها رائعة الروسي أندريه زفياغنتسيف "بلا حب"، يعرض ضمن فقرة المسابقة الكبرى، فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبير في كان لهذا العام. وفيه يرسم صاحب "لفيثان (ضخم)" صورة قاتمة عن روسيا المعاصرة، من خلال قصة زوجين على مشارف إنهاء علاقتهما الزوجية ويكون الطفل أليوشا (12 عاماً) ضحية لأنانية الطرفين. ويأتي عرض شريط "خطوة الثعلب" للمخرج الإسرائيلي شموئيل مَعُوز، أسد البندقية الفضي، ومن خلاله يوجه نقده الحاد الى المؤسسة العسكرية في بلده ويحملها مسؤولية قتل المجند جوناثان العبثي. مروراً بشريط "داونساسيزنك" للأمريكي ألكسندر بايين، عرض في مهرجان فينيسيا الأخير، ومن بطولة مات دامون وكريستين وويغ، عبر قصة خيال علمي عن عالم نرويجي يتوصل الى طريقة يضغط فيها أحجام الكائنات البشرية الى مقاسات صغيرة لمواجهة الكثرة السكانية. ويقدم الإيطالي لوقا غواداغانينو شريطه "ناديني بإسمك"، عن موسيقي شاب وموهوب تنقلب توقعات عطلته الصيفية الى بخث عن كنز مفقود. وتجتمع التراجيديا بالسريالية والرعب في شريط "قتل الغزال المقدس" لليوناني يورغوس لانثيموس، فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان لهذا العام. فيما يقدم الأمريكي من أصل مكسيكي شريطه "شكل الماء"، فاز بأسد فينيسيا، وعبر استعادته لأجواء الحرب الباردة إبان خمسينيات القرن الماضي. ويستعرض لاعب كرة القدم الياباني السابق تاكاشي ميكي وصاحب "13 قاتل" في جديده "سيف الخالد" فنون قتال دموي لا ينتهى إلا بمنتصر واحد وحيد وعلى طريقة أفلام تورنتينو المليئة بالعنف والدم. وهناك ضمن فقرة الأفلام الوثائقية يحضر شريط "السنة الأخيرة" لغريغ باركر، عن الفصل الأخير والحرج من ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وضمن الفقرة ذاتها يستجمع شريط "النهاية السعيدة" بعض أبرز نقاط تألق المخرج والمفكر النمساوي الكبير ميكائيل هانيكة.
الحضور العربي أو ما يدور حوله
وسيكون المشاهد اللندني، إن صحّت التسمية، على موعد مع دزينة اشتغالات سينمائية تدور موضوعاتها في فضاء عالمنا العربي. منها شريط الفنانة الإيرانية شيرين نشأت "البحث عن أم كلثوم"، وفيه تلقي الضوء على ما خفي من سيرة كوكب الشرق. فيما تعرض الفلسطينية آن ماري جاسر جديدها "واجب" عن لوعة العودة الى أرض الأجداد. ومثلها تؤفلم التونسية كوثر بن هانية "على كف عفريت" قصة حقيقية حدثت في بلادها عن حالة اغتصاب شابة جامعية من قبل عناصر من الشرطة ومحاولات الضحية في الكشف عن الفاعلين الأصليين. ويقدم المصري عمر سلامة شريطه "الشيخ جاكسون، عرض في مهرجاني تورونتو والجونة الأخير، ومثله مواطنه السويدي طارق صالح "حادثة فندق هلتون النيل"، عن حادثة حقيقية تدور حول مقتل سيدة في غرفتها الفندقية. في حين يقدم العراقي محمد الدراجي شريطه "الرحيل" عن اللحظات الدرامية التي تدور في رأس الانتحارية الشابة سارة.