يتنقل كتاب (دماغ بيكاسو PICASSO'S BRAIN)، وعنوانه الثانوي (أساس العبقرية الإبداعية)، سريعاً بين تاريخ الفن، وعلم الأعصاب، والحكايات النادرة الغريبة، والتبصرات الأليمة، كما تقول الكاتبة والإعلامية البريطانية كريستين تيمبل في عرضها هذا للكتاب. وهو يشكّ
يتنقل كتاب (دماغ بيكاسو PICASSO'S BRAIN)، وعنوانه الثانوي (أساس العبقرية الإبداعية)، سريعاً بين تاريخ الفن، وعلم الأعصاب، والحكايات النادرة الغريبة، والتبصرات الأليمة، كما تقول الكاتبة والإعلامية البريطانية كريستين تيمبل في عرضها هذا للكتاب. وهو يشكّل، لكونه من تأليف عالمة، تفحصاً دقيقاً للإبداعية البشرية أكثـر عمقاً من أي كلام تعليمي، أو اجتماعي أو رومانسي. وقد توفيت كريستين تيمبل، وهي عالمة نفس وجامعة للوحات بيكاسو، في عام 2014.
ويتضمن الكتاب قصة بيكاسو، وهو طفل في برشلونة يخربش رسوم الأرابسيك المغربية في الرمل و يمارس رسم الحيوانات من دون أن يرفع عصاه مرة واحدة. وربما استمدت المؤلفة شيئاً من استفادته الجينية، أو الوراثية، من أسرته: فقد كان أحد أجداده يعمل موسيقياً وصانع قفازات ماهراً، وكان اثنان من أعمامه أو أخواله يرسمان، بينما كان أبوه يعلّم الرسم. كما كانت لبيكاسو نفسه بصمته الوراثية، ويمكن للمرء أن يرى انحدار الموهبة إلى أسرته واضحاً في ابنته، مصممة الحليّ بالوما، وابنه المصور الفوتوغرافي كلود.
وتمضي تيمبل في نواح جانبية بعيداً عن هذا نحو علم الأعصاب : فنحن نعرف أن بعض الأحوال الجينية المميزة تجعل اخنبارات علماء الأعصاب أكثر صعوبة . وهي توضح هذا بتلك الحالة التي يطلب منك فيها هؤلاء أن تُنهي جملةً بكلمة غير محتملة ــ مثلاً " هبط القبطان بالـ ... الغاطسة ؟" ويقال لك أن لا تقول "سفينة". فيمكن لبعض الأشخاص أن يصلوا إلى كلمات معينة، وآخرون، لهم مؤشر جيني خاص، فلا يستطيعون.
فإذا كان من الممكن أن تسبب مورّثات (جينات) اختلافاً كهذا، فليس من الغرابة، تبعاً لذلك، بالنسبة لعقول إبداعية نطّاطة هنا وهناك أن تنتقل في العائلات في أشكال مختلفة: فكان ثمانية من أطفال حفيد سيغموند فرويد الـ 13، وهو الرسام لوسيان، على سبيل المثال، فنانين أو كتّاباً.
وليس ذلك بالأمر البسيط، مع هذا: فالجينات المتعددة يجب أن تأتي معاً وهناك عوامل أخرى مثل طبيعة وغنى البيئة. وكات طفولة بيكاسو تتّسم بالنشاط والحيوية.
ومن الحقائق المتزنة أن أدمغة الحيوانات الناشئة في حدائق الحيوان أصغر بـ 20 إلى 30 بالمئة من أدمغة الحيوانات الناشئة في البرية؛ ويحدث الشيء نفسه لدى الأطفال الذين يتعرضون للإهمال وسوء المعاملة، والذين يفقدون بعض القدرة الحيوية على إحداث اتصالات ضمن الدماغ.
ونلاحظ، بالنسبة للفنانين البصريين، أن استخدام اليد اليسرى يكون مفيداً، إذ أن ذلك أفضل، على نحوٍ يمكن إثباته، في " الاستدارة الذهنية " لرؤية الأشياء من زوايا أخرى.
وتتطرق تَيمبل إلى روح المزاح التي لم يفقدها بيكاسو أبداً. فكان حتى وهو في سن متقدمة ينضم إلى ألعاب الأطفال، فيجمع الحصى، ويكوّن قطعاً من الأشكال ليلونها الأطفال، ويحتفظ بركام من الأقنعة والقبعات المضحكة في منزله. فكان بعض زواره يختارون شكلاً تنكرياً ويتخذونه معظم اليوم للتسلية. وكان يقوم هو بإحداث أصوات كضجيج الضفادع بملاعق وشوكات المائدة ويتظاهر بالدهشة.
وهذا الطيش الخفيف الروح أمر كان يثقل، مع ذلك، بالتأكيد على فكره: وقد كتب مرةً أن "المرء يمكنه أن يرى الفكر في كل ضربة من ضربات فرشاة مانيه ... أو حين يراقب ماتيس وهو يرسم".
وكان هناك لديه ما يعادل ذلك في الأهمية، وهو الإصرار، والمثابرة، والعمل الجاد، والقدرة على تجنب الشرود الذهني.
وتمضي العالمة داخل حيوية الدماغ المعنية هنا: التوازن بين الافتقار للكبح في المرح والقدرة القوية على تجنب الشرود الذهني. فالعبقري الإبداعي يتذكر ويربط مقادير هائلة من المعلومات، لكنه يتخلص مما لا علاقة له بالموضوع.
وهناك أنواع متميزة من الإبداعية: فلدى بعض العلماء والروائيين، يمكن أن تتضمن أكثر بقليل من رؤية الخطوة التالية في سلسلة مبسوطة للتو، لكن هناك، لدى غيرهم، وثبات غريبة عظيمة.
والذاكرة مهمة، ومع ذلك فليس كل أبطال الذاكرة بذلك التألق. فالتركيز حيوي، القدرة على النظر بجدية والتشفير بعمق لكل صورة أو فكرة.
وهناك نقطة فاتنة أخرى وهي أن عمل بيكاسو كان يمر من خلال الكثير من الأساليب والفترات ــ السريالية، التكعيبية، الزرقاء، الأفريقية ــ وعبر وسائل إعلامية عديدة.
عن/ Daily mail