للفن التشكيلي العراقي جماليته النابعة من تاريخه الفني المثقل بمعالم الماضي والإرث الحضاري، وتلك العلاقة التكاملية مع الأزمنة التي توضح اهمية الفن في مجالاته الكثيرة، ومحطاته المهمة في تاريخ الشعوب. غير أن للتشكيل مؤثراته البصرية التي تهدف
للفن التشكيلي العراقي جماليته النابعة من تاريخه الفني المثقل بمعالم الماضي والإرث الحضاري، وتلك العلاقة التكاملية مع الأزمنة التي توضح اهمية الفن في مجالاته الكثيرة، ومحطاته المهمة في تاريخ الشعوب. غير أن للتشكيل مؤثراته البصرية التي تهدف الى اظهار قيمة الأحداث التي تمر على البلاد بشكل خاص، لإيصال التأثيرات من خلال العمل الفني ومدى التفاعل بين اعضاء المجتمع الواحد، وبين العمل الجمالي والأعمال الأدبية أو الفنية الأخرى.
كالمسرح والغناء والرواية والقصة وما الى ذلك . إذ تشغل اللوحة التشكيلية مكاناً واسعاً في عالم باتت شبكات التواصل فيه تعتمد على سرعة الخبر والانتقال، والإرسال الذي يعتمد على سرعة بصرية تعتمد على تقنيات متعددة، لكل منها قوتها في الجذب والتأثير . لتكون الفنون التشكيلية مرهونة بمقدرتها على الاستمرارية، لما تحمله من قوة في المعايير والمقاييس والمساحات المدروسة، كونها تشكل الأرضية الخصبة للجمال أو لرسم الأحداث التي تمر على المنطقة، مهما تنوعت الاشكاليات في المضمون والأسلوب. لتحقيق الهدف الجمالي الذي يصبو إليه الفنان. ليرقى بأعماله الفنية نحو التكامل والخصوصية .
إن كان الفن التشكيلي العراقي في جوهره حضارة ناتجة عن تطلعات جمالية، تؤرخ لحقبة تحمل في طياتها مميزات المجتمعات التي اثبتت مكانتها في ايصال إرثها الفني الى العالم. فإن فهم الحاضر التشكيلي يحتاج الى رؤية الماضي وثقافاته ومقارباته، لإظهار الانعكاسات والفروقات والمميزات الفنية، وتجلياتهاعلى الاعمال البصرية والجمالية المحاكية للإنسان، وبكل ما انتجته القوى الانسانية في حقبات تلاقحت فيها الثقافات الفنية، وانتجت نوعاً خاصاً من الجماليات المقرونة بالإعلام البصري الفني أو التحولات التشكيلية المحاكية للحواس أو الهندسية المنتفضة على القديم وتلك التي أجرت له تحديثات جمعت في طياتها النظرة الحديثة والمعاصرة، ولمؤثراتها وتحولاتها التي تميل الى الاكتشافات الثقافية المتعددة، والمتغيرات الفنية في بعدها الانساني التي تشكل المرتع الخصب والأساس للفنان، وما تثيره تلك الانطباعات على واقعه المتخيل أو انطباعاته التي تمثل سائر صنوف الوقائع الحياتية، وما تنتجه كل حقبة زمنية من اعمال تضعنا امام جمالية خاصة لها قوتها وضعفها ومميزاتها الثقافية، وإن ضمن الفن التشكيلي المؤدي الى فهم المرحلة التي يعيش فيها الفنان أو المهندس أو العمل الفني بحد ذاته من مفاهيمي أو تركيبي وسوى ذلك . فهل يمكن محو الأسماء التي عالجت واستقرت في حقبة ما زالت تجسد للعراق بؤرة جمالية تاريخية لا يمكن ازالتها خاصة، وإن بدأت المتاحف الالكترونية تزحف أيضاً، وتحقق عدداً كبيراً من المهتمين بالفنون بشكل عام.
إن العامل الأساس لمحاولة الفهم الحاضر للمنطقة هو قراءة اللوحات التشكيلية والنصب التذكارية في فترة زمنية من الماضي حتى الآن. لتكوين صورة الحاضر الذي ينطلق بنا نحو الاسماء العراقية التي تكونت في الخارج مثل الفنانة العراقية والمهندسة العالمية "زها حديد" التي جعلت من النظرة المعمارية تحديثية في تطلعاتها المنتفضة على الإرث المعماري القديم. فمؤازرة الابتكارات القديمة التي تمسك بها الفنان والمعماري"معاذ الآلوسي" منحت للوجود العراقي نفحة تراثية اصيلة. وبتناقض مع رؤية الفنانة "زها حديد" التي قامت بتحديث معماري منحته فضاءات تخيلية استطاعت تحقيقها، وتعزيزها والانتقال بها نحو الفن الهندسي المرتبط بالليونة البارزة في اعمالها، والتي توحي بالانتفاضات المعمارية، وانعكاساتها في ايحاءات كثيرة لو تم تحليلها لوجدنا انها ابنة الشرق فنياً في الحركة والتطوير، والليونة المعمارية ذات الثقل في المعايير والمقاييس، والجماليات الخلاقة المتعددة النواحي في بعديها البصري والهندسي. مما يعكس هوية الفن العراقي وقيمة انعكاساته على الاعمال الهندسية الخارجية التي وإن اختلفت معه. الا انها تتوافق معه بالبنية والنسيج التصميمي . ليكون بمثابة الأثر الحضاري التي تنتجه حقبة زمنية حملت العراق نحو العالمية في المعمار والهندسة، ولا يمكن هنا انكار مخيلة وذوقية الفنان "معاذ الآلوسي" في الهندسة والمعمار الشرقي الذي يزدان بروحية المجتمعات العراقية في كل منطقة. لنشهد على ثقافاته وسائر صنوف الاشكال من الجماليات التي تقترن بالشكل والمضمون، والبيوت الحديثة المحاكية للقديم. وإن بتطوير حداثي يقودنا نحو الوعي الفني العراقي في خلق التمازج بين الحضارات الفنية، والإرث القادر على تنمية الثقافة الفنية بشكل عام، والتشكيلية بشكل خاص. التي تجعلنا من القادرين على الاستدامة لحفظ التاريخ الفني منذ ولادته مع النقش على الحجر والنحت وصولاً الى الفن المعماري القديم والحديث. فهل من ذاكرة تاريخية تمثل الخزان الأساس لحفظ الهوية الجمالية الممتدة من الماضي وصولاً الى مستقبل يبشر بانقلابات فنية متمسكة بأسس الحضارات القديمة وديناميكية تطويره، لتتماشى مع روح العصر كما فعلت المهندسة والفنانة "زها حديد" خارج وطنها الأم وقلبت موازين الفن المعماري الهندسي الذي نشأت عليه وغربلته، ليصبح تحديثياً قادراً على الوصول الى العالمية. أم كما هي الحال مع نظرة الفنان والمهندس "معاذ الآلوسي" وانتقاداته لفن العمارة الحالي الذي بدأ يأخذ منحىً تجارياً بحتاً بعيداً عن حضارة وادي الرافدين الذي يتمسك به، وجعله هويته العراقية ماسحاً شوائب الفن المعاصر بالفن نفسه، ليداوي تغيرات العصر بالعودة الى الماضي في الحاضر وبجمالية لا يمكن إنكارها.
إن البحث في الفن التشكيلي العراقي يحتاج لمتاحف بصرية متنقلة لفهم كل مرحلة استطاعت نقل ثقافتها لمرحلة أخرى . فمنذ نشأته حتى اليوم احتفظ بالهوية المميزة لهذا البلد العريق الذي عاش فترات متنوعة من الحصار والحروب، ومن فترات شكلت انطلاقة للكثير من الاعمال التي ما زالت بمثابة الشاهد على العصر. مما ساعد في تنشيط وتغذية مخيلة الفنان العراقي. لينتج فناً يحتفظ بالكثير من معالم هذا البلد الذي يختزن في اسماء فنانيه جماليات لكل منها بصمتها التي توازي كبرى العالمية، من حيث المعايير والمقاييس والنسب الذهبية أو من حيث المضمون والشكل المحتفظ بتراثيات وافكار رياضية هندسية اشتهر بها العراق منذ القدم حتى الآن . مما سمح بتوحد الرمز التحولي عربياً، وعالمياً للفن التشكيلي العراقي وبمميزات مذهلة في الرؤى الحديثة، وحتى لأرشفة الأحداث فوتوغرافياً من الفنان "عبد الكريم يوسف تبوني" الذي استطاع استخدام العدسة الفوتوغرافية بفطرة وعفوية ادخلته الى عالم الصورة الاولى عربياً وهو العراقي الكلداني من أهالي البصرة. لتومض الملامح الاصيلة فيما بعد من التصوير الفوتوغرافي وما استطاع أرشفته كخزان جمالي لإرث تصويري لا يمكن انكاره، وصولاً الى الفنان " مصطفى حمد" الذي يعيش خارج العراق وحصل على العديد من الجوائز العالمية على تصوير حداثي التقط من خلاله صوراً لإحدى المناطق الجبلية في شمال العراق برغم أنه في الخارج. الا أنه اظهر للعراق الوفاء الفني لالتقاطات تصويرية أبهرت الآخرين وجعلتهم يمنحونه عدّة جوائز . أو حتى عبر الرسم على الجدران والجداريات. مثل أهم اللوحات والجداريات الكبرى التي تزيّن مراكز الأمم المتحدة واليونيسكو واليونيسيف وسواها.
تشكل السيرة الزمنية للأعمال الفنية المنحى الرئيس للموضوعات التي يتناولها كل فنان، أو تلك التي يخلع منها المؤثرات الحياتية التي تطرأ على مرحلة معيشية، ربما! تهزها الحرب وربما! يهزها الجمال المرتبط بالموضوعات الحامية التي تستند الى الحدث الساخن المولد للأفكار. إذ يشكل انفصال الداخل عن الخارج في الفن العراقي تناقضات جعلت لأكثر الاسماء ميزة خاصة، مثل الفنان "ضياء العزاوي" وهو من خلال الذين غردوا في اسراب أخرى. الا انه استطاع الاحتفاظ بالتراث العربي من حيث الرؤية التشكيلية المتمسكة بالقضايا التي تشكل الحدث الأقوى مثل لوحة "صبرا وشاتيلا "وجدارية "مهمة الدمار" بخطوطها المائلة والمستقيمة ، التي تشكل في تطلعاتها نوعاً من دائرية الشر، وعتمته في ابراز العمى البصري الذي يعانيه اعداء الوطن العربي، وبمقدرة تشكيلية فنية ذات مقاييس تتناقض معها الألوان التي طمسها في معالم الوجوه الكرتونية أو تلك المحفزة على الاستهزاء بالعقول من خلال حروبهم الكوميدية السوداء وإن من خلال الاسلوب السهل الممتنع. فهل يمكن انكار الوطن والتعلق بالقشور الفنية والجمالية في بلد أنجبت للفن التشكيلي والمعماري جهابذة لكل منهم اتجاهاته ومدرسته وأعماله المحفورة في كبرى المعارض سواء كان بالداخل أو الخارج ؟.
يتبع