TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فيما خصَّ الهجرة وطرق الهروب

فيما خصَّ الهجرة وطرق الهروب

نشر في: 3 أكتوبر, 2017: 09:01 م

 

ها هو البحر الأبيض المتوسط يتحول إلى مقبرة، كما تحول قبله طريق البالقان إلى طريق للموت، ولا حلّ يلوح بالأفق، على العكس أعداد الهاربين في تزايد، والسياسة تحذر وحسب، الموقف الأخلاقي أوروبياً بائس، المنطق يقول، من يريد مواجهة ما أطلقوا عليه أزمة اللاجئين، عليه إعادة السلام إلى مناطق الحرب، لكن في نفس الوقت تصدر أميركا، روسيا، أوروبا، المانيا وفرنسا وغيرها السلاح، الرفاهية التي نعيشها في الغرب، لها علاقة بتزايد تجارة السلاح، الأرقام تشهد على ذلك، 4,2 مليار يورو وصل وحده حجم تصدير السلاح في المانيا عام 2015 (رقم قياسي في تاريخ المانيا، جريدة تاتز 10.مارس/ آذار 2016)، المنطق يقول: لو لم يحدث الأمر بهذا الشكل دائماً، لو لم يُصدر السلاح وبهذا الحجم، لكان على الفرقاء المتقاتلين خنق بعضهم بأيديهم.
فيما على الطرف الآخر نرى المهربين ذاتهم، هم أنفسهم، التسعيرات ذاتها، كان يجب دفع مبلغ كبير للمهربين، لكي تصل أختي خلال يومين وسالمة إلى فرانكفورت، بالتأكيد هم أنفسهم الذين أشرفوا على عمليات تهريب البشر الكبيرة التي حدثت بين صيف 2015 وربيع 2016، أو ربما هم أبناؤهم، لا يهم، فمن الناحية الشكلية لم تختلف عمليات التهريب، لا في الطريق الذي اختاره المهربون لبضاعتهم البشرية، وإن انحرفت أحياناً إلى هذا الطريق الجانبي أم لا، فهي ظلت على حالها في المحصلة، طريق البالقان ذاته، ولا في العدّة التي طلبوا من الهاربين التزود بها: الملابس ذاتها سواء فيما خصَّ زي النساء أو زي الرجال، دائماً من قماش الجينز، الأحذية الرياضية ماركة نك، حقيبة ظهر صغيرة، قنينة ماء صحي عُلقت في أسفل الحقيبة، وفي حالة القادمين عن طريق البحر، سترة النجاة البرتقالية ذاتها، العدّة هذه التي ربما لحقت بها أشياء صغيرة أخرى، على الهاربين أنفسهم دفعها للمهرب الذي سيشتريها لهم بعد معرفة قياساتهم، ثمنها  ضمن الإضافات (أو النثريات) اللاحقة بتسعيرة التهريب.
كل ذلك تعرفه السياسة، تعرف أن وراءه شركات ومصانع ورأسمال ومافيات، حتى الفنادق في أزمير وآيفالك وتسالونيكي وأثينا، هي عناوين محددة، إجبارية على الهاربين النوم فيها ثلاثة ليالٍ على الأقل، قبل تهريبهم، وهي من النثريات التي عليهم دفعها، 50 يورو تسعيرة الليلة الواحدة. على الأقل.
لم أعرف أن الرحلة التي فكرت بالقيام بها، لفضول، لرؤية ما يجري بأم العين، للحصول ولو على انطباع بسيط لما يجري هناك، ستذهب باتجاه آخر، أو أنها ستنتهي إلى منحى آخر، كان أكثر ما فكرت به في حينه هو عرض المساعدة بالترجمة من اللغة العربية بين اللاجئين والمنظمات الطبية العاملة هناك، لم أعرف أن الرحلة في أبريل/ نيسان 2015 إلى معسكر إيدوميني، ستحملني على زيارتها مرة أخرى في يوليو/ تموز من نفس العام وحسب، هذه المرة لفترة أطول، وعن طريق التنقل براً عبر طريق البالقان، بالباص مع الناس، من تسالونيكي حتى أسطنبول، أكثر من 550 كم، ومن اسطنبول حتى إزمير، قرابة 400 كم، ومنها إلى آيفاليك، حيث تنطلق شمالها بكيلومترات قليلة قوارب المهاجرين، ثم بالباخرة إلى جزيرة ليسبوس، حيث هدف أغلب تلك القوارب المشحونة بالبضاعة البشرية، شرق وشمال الجزيرة بالتحديدة، في إيفتولو وموليوس، مثلما لم أعرف أن هذه الرحلة ستجعلني انتهي إلى كتابة كتاب لم أخطط له أبداً، لا عام 2015 ولا قبلها. بل والأكثر مفاجأة لي من ذلك، هو أن الرحلة هذه، ستحملني على تذكر موجات هروب ساحقة، أولها هجرة الهجرات أو لحظة الهروب الكبرى التي تأسست عليها البشرية، هجرة الهجرات بالأحرى التي سيبدأ بها هذا الكتاب الذي بين أيديكم.
* من مقدمة كتاب "طريق البالقان" لعنة وبركة آلاف السنين، الذي سيصدر للكاتب الأسبوع المقبل في 12 تشرين الأول في ترجمته الالمانية مع يوم انطلاق معرض الكتاب العالمي في فرانكفورت.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram