adnan.h@almadapaper.net
كأننا في ملعب لكرة القدم، نتابع من مقاعده (غير الوثيرة) مباراة بين فريقين. لكنّ اللعب غير ممتع أو مسلّ ، والسبب أنّ اللاعبين ليسوا من النوع المحترف الذي يلعب بمهارة تجعل اللعب مثيراً للانتباه والاهتمام.
ما يجري بين بغداد وأربيل هذه الأيام هو ما أعنيه، وتحديداً في ما يتعلق بالاستفتاء الكردستاني وعواقبه، فالفريقان اختارا الدستور ليكون الكرة التي تتبارى بها أقدامهم وأيديهم وألسنتهم.. الخ.
أربيل تقول إنّ الاستفتاء دستوري أو في الأقل لا ينتهك أحكام الدستور، وبغداد تردّ بأنه غير دستوري وينتهك الأحكام الدستورية !
الآن أصبح الدستور عزيزاً وحبيباً ومحترماً، بل مقدّساً، ويستكثر كلّ من فريقي اللعبة الدائرة الآن على الفريق الآخر الخروج على أحكامه!
الدستور استُفتي عليه أواخر العام 2005، ودخل حيز التنفيذ مطلع 2006 بإجراء أول انتخابات برلمانية ومحلية على أساسه. وفي الحال، بعد أيام قلائل من دخوله حيز التنفيذ، جرى انتهاك الدستور وأحكامه جهاراً، نهاراً وليلاً، من فريقي اللعبة الحالية بالذات، فزعماء الأحزاب الشيعية وزعماء الأحزاب الكردستانية مع البعض ممّنْ جُلِبوا إلى مجلس النواب ليكونوا ممثلين للسنّة، اتفقوا في ما بينهم على إدارة الدولة بغير ما حكم به الدستور. الدستور قضى بأن يكون نظام الحكم ديمقراطيّاً، لكنّ الذين يؤدّون اللعبة الدائرة الآن أنفسهم توافقوا حينذاك على نظام آخر هو نظام المحاصصة الطائفية والإثنية. تعهدوا يومها بأن يكون هذا الخرق الدستوري الجوهري لدورة برلمانيّة واحدة فقط (أربع سنوات انتهت في العام 2010)، والذريعة التي قدّموها لخرقهم الدستوري هذا أنّهم يريدون طمأنة كلّ الأطراف إلى أنّ حقوقهم مصانة ومحفوظة، وأنّ أحداً لن يُهمّشَ أحداً على أساس طائفي أو قومي.
الذي حصل بعد ذلك أنّ الخرق الدستوري الجوهري استمرّ إلى اليوم، ويتشبث به أصحابه الآن بأنيابهم وأظافرهم. بعضهم قال بوقاحة سافرة إنه وُجِد ليبقى وإنه أصبح أمراً واقعاً. الأنكى أنّ هذا النظام لم يقتصر على رئاسة الوزراء (لشيعي) ورئاسة مجلس النواب (لسنّي) ورئاسة الجمهورية (لكردي) والوزراء، بل اتّسع نطاقه ليشمل وكلاء الوزارات ورؤساء المؤسسات والهيئات "المستقلة" والمدراء العامين والمستشارين والسفراء والقناصل، بل انحطّت الممارسة انحطاطاً مريعاً لتشمل الدرجات الدنيا في الدولة، ولتشمل أيضاً الامتيازات والتسهيلات الممنوحة للمتعاملين مع الدولة من رجال أعمال حقيقيين ومزيفين ومقاولين وسماسرة وصيارفة وسواهم.
والذي حصل بالضبط أنّ مؤدّي اللعبة الدائرة الآن بكرة الدستور همّشوا الشعب العراقي كلّه بعربه وكرده وتركمانه وسائر قومياته وبسنّته وشيعته ومسلميه ومسيحييه وصابئته وإيزيدييه وسواهم، ولم يطمئنّوا إلى بعضهم البعض، فمازالوا في صراع واحتراب في ما بينهم على السلطة والنفوذ والمال.
من الانتهاكات الكبرى لأحكام الدستور عدم تعديله، مع أنه حكم حكماً باتّا بذلك، ومنها أنّ القوانين المتعلقة ببناء الدولة لم تُشرَّع، وأنّ القوانين المشرّعة لا تؤدي إلى بناء الدولة الديمقراطية الموصوفة في الدستور ( قانون الانتخابات، قانون الأحزاب... الخ).
قبل خمس سنين أقرّ رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بأنّ الدستور يُشكّل مشكلة كبيرة، وأنه مُلئ بالألغام.
مؤدّو لعبة الدستور الراهنة، والسيد المالكي أحدهم، لم يحرّكوا ساكناً لنزع ألغام الدستور التي تفجّر العديد منها، وآخرها لغم الاستفتاء... وهو ليس أخيرها!
جميع التعليقات 1
ياسين عبد الحافظ
اتفق معك، انها مباراة لفريق النخبة ، والشعب هو الجمهور الذي مل من أدائهم الفاسد ولا يبدو عليه الحماس بابسط صوره، انها النخبة واحتياطها في عرض تاريخي ممل ،لكن العراق الجديد يسجل تقدما واضحا وانا على يقين من أنه يكسب المباراة، المباراة لم تخلو من لمسات وصو