حلمتُ، البارحة، في جبرا إبراهيم جبرا وهو يمشي أمامي بشكل سريع كأنه ذاهبٌ إلى عملٍ. كنتُ أحادثه وهو صامت لا يجيب.قلتُ له: "هل تتذكّر توقيعك لي على رواية "السفينة" في أحد مهرجانات المربد في الثمانينات؟".لكنه لم يُحرْ جواباً.أضفتُ بصبر: "كنتُ حينها شابا
حلمتُ، البارحة، في جبرا إبراهيم جبرا وهو يمشي أمامي بشكل سريع كأنه ذاهبٌ إلى عملٍ. كنتُ أحادثه وهو صامت لا يجيب.
قلتُ له: "هل تتذكّر توقيعك لي على رواية "السفينة" في أحد مهرجانات المربد في الثمانينات؟".
لكنه لم يُحرْ جواباً.
أضفتُ بصبر: "كنتُ حينها شاباً ولمحتك من بعيد واقفاً بالقرب من الصف الأمامي فذهبتُ إليك وقلَبتُ الصفحة الأولى من الكتاب، وحين رأيتَ عنوانه أطلقت صيحة: "آآآه" فابتسمتَ، ثم سألتني: ماذا تكتب؟
قلتُ: أكتب القصص.
سألتني عن اسمي وكتبتَ في الزاوية اليسرى:
إلى القاص الشاب نجاح الجبيلي..
عسى أن تبحر مع سفينتي
وترفع شراع الإبداع عالياً
مع أجمل المودّة
ودوّنت توقيعك. رجعتُ أنا فرحاً، واحتفظتُ بالرواية الموقّعة، إلى أن فُقدتْ حين انتقالنا ورحيلنا تحت القصف على البصرة في أثناء الحرب العراقية الإيرانية،".
ظلّ جبرا صامتاً لكن قبل أن يتلاشى طيفهُ قلتُ له: "ها هو كتابك "الفن والحُلم والعقل" اقتنيتُ نسخة منه الآن من مكتبة "فرجو" في شارع الوطني، فهلّا وقّعته ؟
لم يسمعني أيضاً، وظلّت كلمات "الفن و الحلم والعقل" يتردد صداهما في الظلمة.نهضتُ خائفاً أبحث عن طيفهِ، لكنّني شعرتُ بالحُزن، وقد علمتُ بأنّ جبرا لن يعود ثانية بعد رحيله إلى الأبدية.
***
اللوحة: حالة حلم لجبرا إبراهيم جبرا رسمها عام 1946