جميلة تلك المبادرات التطوعية التي قام بها بعض الشباب لتلوين الجدران والقواطع الكونكريتية ولتنظيف بعض الشوارع –خاصة بعد الانفجارات الدامية – وغيرها كثير، فحماس الشباب وروحهم الوطنية وحرصهم على بلدهم تدفعهم حتما لإطلاق حملات خدمية وجمالية متنوعة ..آخر هذه المبادرات هي محاولة بعض الشباب تبليط الطريق السريع في منطقة الشعلة وهو من أهم الطرق السريعة في بغداد كونه يربط بين مناطق مهمة وتستخدمه العديد من المركبات يومياً لكنه يعاني ومنذ سنوات من الإهمال وتتخلله العديد من المطبات التي تسببت في حوادث سير عديدة ، وهو مادفع شباب منطقة الشعلة الى محاولة تبليطه بجهود ذاتية ، الأمر الذي جعلهم بمواجهة مضايقات مباشرة من مديرية الطرق والجسور على اعتبار أن التبليط لايتم وفق أسس هندسية دقيقة ، وهي مسألة صحيحة علميا لكن الواقع يقول إن تلك المديرية لم تحاول ان رأب صدع الشارع منذ سنوات ولن تفعل ذلك حتماً بوجود التقشف وتقلص الميزانية المالية والأسباب التي ألجمت فم المواطن العراقي وجعلته يتخلى عن أبسط حقوقه لأن مسؤوليته كمواطن صالح أن يُقّدر الظروف الاستثنائية التي يمر بها بلده وأن يمعن في شد الحزام على معدته وأن يغض بصره عما يحتاجه من خدمات ويتجاهل عملية قطع راتبه وحرمانه من التعيين في وظيفة حكومية فالميزانية المالية عاجزة عن خدمة المواطن ..
وإذن ، لماذا يستكثرون عليه أن يحاول خدمة نفسه بأن (ينفق على الحكومة) حين يكون قادراً على ذلك مادام يبغي تقديم مصلحة بلده على مصلحته الشخصية ، كما إن المواطن العراقي صار معتاداً على سد الخلل الحكومي والانفاق على نفسه وأولاده لتخفيف العبء عن الحكومة (العاجزة ) ماليا، فالآباء - على سبيل المثال - مجبرون على المشاركة في شراء مستلزمات ضرورية في المدارس بدءاً من الكتب الناقصة وحتى أدوات التنظيف وسلال النفايات والستائر وكل مايطلب من التلامذة –كتبرع – بينما تتعامل معه بعض الجهات التربوية وكأنه واجب مفروض على الطالب وقد يتم تقييمه علميا أحياناً بناءً على حجم التبرع الذي يقدمه !!
كما ان المواطن العراقي لم يعد يجد ضيرا في تقديم خدمات مجانية للحكومة مادام البعض يستنهض فيه سمة الوطنية والمسؤولية تجاه بلده ، كما يحدث مع الكتاب والصحفيين الذين يقدمون نتاجاتهم لمطبوعات وزارة الثقافة دون أن ينالوا عنها أجوراً –بسبب التقشف طبعا – وحين يطالب أحدهم بمردود مالي لقاء جهده الفكري يكون الجواب ان عليه التضحية خدمة للثقافة العراقية لكي تستمر هذه المطبوعات بالصدور !! هنا يقف المثقف حائرا بين دعم الثقافة العراقية مجاناً حرصا عليها أو المطالبة بأجور قد لاتتناسب أصلا مع ماتجود به قريحته من إبداع لكنها حق من حقوقه فهو مواطن عادي ورب أسرة وقد لايملك بيتا أو راتبا حكوميا ، لكنه مطالب من الحكومة بان يملك الضمير الكافي والحرص الوافي لتقديم خدماته مجاناً والتبرع بكل مايملك لسد النقص الحاصل في الخدمات الحكومية لتتفرغ الحكومة لمهامها (الجسام ) بينما ينشغل المواطن بالانفاق عليها ومحاولة إثبات كونه (مواطناً صالحاً ) !!
كيف تثبت أنك (مواطن صالح)؟...
[post-views]
نشر في: 9 أكتوبر, 2017: 09:01 م