TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فـي فهم الثقافة وأهمية الكتاب

فـي فهم الثقافة وأهمية الكتاب

نشر في: 10 أكتوبر, 2017: 09:01 م

جاءت سنوات الحصار ودخول الجيش العراقي الكويت على الحلم الذي راود العراقيين باستعادة الحياة من خلال الكتاب، لكنها أتت على صورة الوعي والثقافة والحلم الذي كان أكثر اشراقاً في عيون النخب المثقفة في أقل تقدير، إذ سرعان ما تحول الحلم كابوساً، فأي معنى لمكتبة أزاء الحاجة الملحة للرغيف، وماذا يعني أنك مثقفٌ وأنت لا تملك ثمن علبة الحليب لأطفالك، ففي أي مصرف يمكنك تصريف قصيدتك وقصتك ولوحتك وقد أغلقت أبواب مصارف الوعي والاستجابة دونها؟. في السنوات تلك بلغت القطيعة أوجها، وذهب المثقف بائعا لمكتبته، عارضا جهده وقوته في سوق العمل، باع مكتبته بعد أن انتقى منها ما ظنَّ أنه سيستردُ به رغبته في الكتابة ثانية، لكن، أنّى له، فهو في شغل عن ذلك، صارت حاجته للرغيف مسعى وغاية، فهو لا يتناول قصيدةً في إفطاره ولا يغمس رغيفه في روايةٍ ولن تصلح لوحة معلقة على الجدار عشاءً لأطفاله. وهكذا، انقضت سنوات عشر في الحصار مثلما انقضت من قبل سنوات ثمانٍ في الحرب، وبين هذه وتلك ضيعت الثقافة عقدين من عمرها، ذهبت بعيداً عن أهميتها في حياته، أو لنقل كانت عبئاً عليه، فقد قامت بتزوير جانب من أهمية حياته.
  وضمن متوالية التهديد والنفي وتعميق الفجوة بين المثقف والمتلقي دخل الربيع العربي طرفاً جديداً، وبين فريق مبتهج بـ (التحرير) وآخر ضائع بـ (الاحتلال) تشظت الثقافة العراقية ثالثة ورابعة، واختل ميزان الإنتاج والتلقي (الكتابة والقراءة) أكثر من مرة، وتقطعت حلقات أخر بين المشهدين وبدأت أسئلة مثل: ما قيمة انتاج النصوص في بلاد تتراجع فيها قيم الخلق الأولى ويقتل الإنسان فيها شقيقه الأنسان؟ ترى،لأجل من يكتب هؤلاء، وما جدوى الكتاب واللوحة والقطعة الموسيقية والثقافة بعامة في مجتمع ذهب بكل طبقاته الى التاريخ، يستنطقه حلماً للمستقبل، أملاً لما هو غارق فيه؟ أيّ قيمة تُرتجى في كتاب من قارئ غير موجود. يقول أحدهم، وهو أستاذ في إحدى الجامعات أنه سأل عدداً من طلابه في إحدى الكليات من المتقدمين لنيل درجة الماجستير عن الكاتب محمد خضير فلم يجبه أحد. أو أنَّ أحدهم اجابه بانه لاعب كرة قدم !!
  منذ أكثر من أربعة شهور تسلمت حصتي من كتابي الأخير(كتاب أبي الخصيب) لكنني لا أجد الرغبة في إهدائها لأحد، نعم، أهديت نسخاً قليلة لبعض المقربين، الذين أجد عندهم الرغبة بقراءة الكتاب، لكن، كم عدد هؤلاء؟ خمسين، مئة، مئتان، ثلاثمئة... ألف؟ ينشر بعض الاصدقاء الكتب والشعراء على مواقع التواصل صورا تفيد بنفاذ الطبعة الأولى من كتابه، هم سعداء بذلك، لكن لو سألت عن عدد النسخ التي طبعت لقالوا لك: 1000 نسخة!! يا لهزال القراءة، في بلاد تعداد سكانها 35 مليون نسمة لا يوزع أكبر كتابها أكثر من 1000 نسخة من كتابه، وهب أنه وزع ضعف العدد هذا، هل يعني أنّ الثقافة بخير؟ كنت قد قلت في يوم ما بأننا عيال على الثقافة، وهي مفهوم لما يتبلور في أذهاننا بعد، بلاد فيها أكثر من خمسة ملايين أمّي وتتراجع نسب النجاح في مدارسها الى الـ 28% لدي شكوك كبيرة في تبنيها لمفاهيم الثقافة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ناظر لطيف

    مع الاسف وكان العراقيون من اكثر شعوب المنطقة قراءة. مقال رائع لكن الحال لا يختلف كثيرا في معظم البلدان العربية. هناك ازمة حقيقة .لكن نحن في العراق تكاثرت علينا الازمات فالاولى فالاولى.

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram