adnan.h@almadapaper.net
بعيداً عمّا إذا كان الفعل الذي أقدم عليه فريق من قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني ( تسهيل انتشار القوات الاتحادية في محافظة كركوك ومناطق أخرى) عملاً وطنياً أوفعلاً اضطرارياً أو خيانة ، فمن المفترض أن يُعيد هذا الحدث الاعتبار للقضية الأساس في العراق التي هي قضية بناء الدولة.
قبل أن يموت في وقت مبكّر(1933)، كان الملك فيصل الأول قد وضع أساساً غير مكتمل لدولة عراقية عصرية، بيد أنّ خلفاءه (ملكان ووصيّ على العرش وعدة رؤساء وزارات) لم يبنوا على ما أسّسه، بل تسبّبوا في تصدّع ذلك الأساس. أما خلفاء الملوك فما احتفظوا بالأساس المتصدّع لترميمه ولا وضعوا أساساً جديداً، بل إنّ صدام حسين ترك هيكلاً هشّاً وفارغاً لدولة انهار كل أثر لها على مدى السنين الأربع عشرة الماضية تحت وطأة المحاصصة والفساد الإداري والمالي.
كلّ الذي حصل على خلفية الاستفتاء في إقليم كردستان، وما حصل هو واحدة من أخطر الأزمات في تاريخ العراق الحديث، هو نتيجة لغياب الدولة، بالذات الدولة الديمقراطية التي تعهّدت كل أطراف هذه الأزمة بإنشائها وترسيخ كيانها على أنقاض دولة صدام حسين المتوحشة المنهارة. وقبل أزمة الاستفتاء كان ثمة الكثير من الأزمات المتلاحقة والمتراوحة في درجة حدّتها، بينها أزمة سقوط ثلث البلاد في أيدي تنظيم داعش الإرهابي بكل العواقب الكارثية المترتّبة عليها، وهي جميعاً ترجع بجذورها إلى السبب ذاته الذي نجمت عنه أزمة الاستفتاء.
هذا المسلسل الطويل من الأزمات، والمسلسل التالي الذي سنشهده في السنوات المقبلة، ما كان له أن يكون أو سيكون، لو أن القوى التي أمسكت بمقادير البلاد والعباد قد كانت عند ما دبّجت به الدستور الذي توافقت هي على أحكامه وصاغت بنفسها مواده: "لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطقية ولا تمييز ولا إقصاء"، فالكيان الذي أدارته هذه القوى لم يصنع عراقاً جديداً، وهو لا يمهد لعراق المستقبل الموعود.. هذا الكيان كان، ولم يزل، مُتْخماً بالنعرة الطائفية والنزعة العنصرية والعقدة المناطقية والتمييز والإقصاء، ذلك أنّ هذه القوى جميعاً، عربية وكردية وتركمانية، ودينية (شيعية وسنّية) وعلمانية، نكثت بعهدها في المضي "قُدماً لبناء دولة القانون" والسير "معاً لتعزيز الوحدة الوطنية، وانتهاج سُبُلِ التداول السلمي للسلطة، وتبنّي أسلوب التوزيع العادل للثروة، ومنح تكافؤ الفرص للجميع"(ديباجة الدستور أيضاً).
بعد الذي حصل على خلفية أزمة الاستفتاء والأزمات السابقة، فإن العودة إلى صيغة الكيان المحاصصاتي لن يكون سوى إعادة إنتاج للأزمات التي يُمكن لواحدة منها أن تُغرق المركب الناجي الآن، بمن فيه وما فيه.
لا مناصّ من إعادة كتابة الدستور بطريقة وأسلوب وروحية مختلفة عن طريقة وأسلوب وروحية كتابته في 2005 ليكون دستوراَ من دون ألغام ومفخّخات .. ولا مناصّ من الانتهاء مرّة وإلى الأبد من نظام المحاصصة .. ولا مناصّ من الخلاص من عقلية الاستحواذ والاستئثار ... فهذا كلّه لا يبني دولة ولا دويلة ولا كانتوناً، بل يؤسّس لخراب عميم دائم تتناسل كوارثه من دون انقطاع.
جميع التعليقات 1
بغداد
استاذ عدنان حسين لا بمكن كتابة الدستور بأيادي الجهلة بالقوانين الدولية عمومًا والذين شاركوا بكتابة الدستور بأوامر من بول بريمر ونوح فيلدمان سنة ٢٠٠٥ وكان الحاضرون على طاولة كتابة الدستور للشعب المبتلى بغزو العراق واحتلاله وتدمير مؤسساته جميعها وبناه التحت