تكراراً لما افتتحتُ به عمود الأمس، وبعيداً أيضاً عمّا إذا كان الفعل الذي أقدم عليه فريق من قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني ( تسهيل انتشار القوات الاتحادية في محافظة كركوك ومناطق أخرى) عملاً وطنياً أو فعلاً اضطرارياً أو خيانة، فمن المفترض أن يُعيد هذا الحدث الاعتبار للقضية الأساس في العراق التي هي قضية بناء الدولة.
وفي قلب قضية بناء الدولة، قضية الفيدرالية التي اختارها الدستور والذين سنّوه لتكون شكلاً للدولة ونظاماً للحكم في هذه الدولة.
إقليم كردستان العراق تمتّع بالوضع الفيدرالي منذ اليوم الأول لسقوط نظام صدام، استكمالاً للحكم الذاتي غير المنقوص الذي مارسه قبل ذلك بحماية دولية وبرغم إرادة نظام صدام، وهذا ما كان مُتّفقاً عليه سلفاً بين معارضي نظام صدام.
النظام الفيدرالي لا يغيّر شيئاً في وحدة الدولة الاتحادية، لكنّ الأحزاب الكردستانية تصرّفت في الغالب بعد 2003 بعيداً عن كونها جزءاً أساساً من الحركة الوطنية العراقية، كما كانت طوال تاريخها. ممثلو هذه الأحزاب في بغداد (الحكومة ومجلس النواب والهيئات والمؤسسات الأخرى غير المرتبطة بوزارة) انصرفوا للاهتمام بحقوق الإقليم وصلاحياته وامتيازاته، غير مبالين بحقوق سائر العراقيين وصلاحياتهم وامتيازاتهم في مناطقهم الأخرى. ركنت الأحزاب الكردستانية إلى نظام المحاصصة الذي جرى فيه تقاسم السلطة والنفوذ والمال، كما تُتقاسَم الغنائم، خلافاً لما قرّره الدستور، فالدستور كان مُستحِقّاً التعديل، ومستحقّاً التنفيذ لجهة القوانين التي حكم بتشريعها، وهي جميعاً قوانين تتعلق ببناء الدولة الديمقراطية، بيد أنّ ممثلي الأحزاب الكردستانية التزموا جانب شركائهم في السلطة والنفوذ والمال في بغداد وتغافلوا عن استحقاقات تعديل الدستور وتشريع القوانين الدستورية.
هذا الموقف نجم عنه تعثّر المسيرة الديمقراطية في البلاد، بل هي لم تبرح مربّعها الأول، فقد ظلّت حبيسة نظام المحاصصة غير الدستوري، غير الديمقراطي. والموقف الذي اتخذته الطبقة السياسية المتنفّذة في بغداد أخيراً من قضية الاستفتاء على حق تقرير المصير لم ينطوِ على أي غرابة، ذلك أنّ حق تقرير المصير لا يتحقّق في ظلّ نظام غير ديمقراطي ولا تقرّ به أحزاب غير ديمقراطية كالأحزاب التي تقاسمت الأحزاب الكردستانية معها السلطة في بغداد.
علاوة على هذا فإن الأحزاب الكردستانية من جانبها لم تسعَ لبناء نظام ديمقراطي في الإقليم يكون نواة للدولة الكردية الديمقراطية التي ما انفكّت تعدُ الشعب الكردي وسائر مكونات كردستان بها.
هذا الأمر هو الآخر لا ينطوي على غرابة، فالديمقراطية يلزمها ديمقراطيون والأحزاب الكردستانية جميعاً ليست ديمقراطية لا في بنيتها الداخلية ولا في علاقاتها وممارساتها في إطار سلطة الإقليم الفيدرالية. على سبيل المثال فإن الاتحاد الوطني الكردستاني الذي ظلّ لأمد طويل يعيب على الحزب الديمقراطي الكردستاني كونه حزباً عائلياً، تحوّل هو نفسه إلى حزب عائلي على نحو يراه البعض أسوأ مما هو عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني. أما حركة التغيير (غوران) التي بشّرت بـ "انتفاضة" على الحزبين "العائليين" فقد انتهت إلى المصير نفسه، ولم تبرّر نفسها كحركة ديمقراطية بديلة.
كما ختمتُ أمس بأنْ لا مناصَ من إعادة كتابة الدستور ومن الانتهاء مرّة وإلى الأبد من نظام المحاصصة ومن الخلاص من عقلية الاستحواذ والاستئثار، لا مناص من ديمقراطية حزبية وحكومية في الإقليم، فمن دون هذا كله لن تقوم دولة ديمقراطية مستقرّة في العراق، ولن تكون فيدرالية حقيقية فيه، وبالتالي لن يتحقق للكرد حقّ تقرير المصير.
.. والاستحقاق الكردي التـالـــي..
[post-views]
نشر في: 18 أكتوبر, 2017: 05:39 م
جميع التعليقات 2
سمير طبلة
لا تجربة بالعالم، حتى اليوم، تثبت بناء الديمقراطية من دون بناء اساسها المادي: علاقات انتاج رأسمالية. وبالتاكيد ليس الطفيلي منه!
Hameed
ليست هناك ديمقراطية لا في الشمال ولا في الوسط ولا في الجنوب .