TOP

جريدة المدى > عام > مثقفون: على الأكاديميين أن يقدّموا خدماتهم للثقافة فالخللُ يكمُن في النظام الذي تقومُ عليه جامعاتنا

مثقفون: على الأكاديميين أن يقدّموا خدماتهم للثقافة فالخللُ يكمُن في النظام الذي تقومُ عليه جامعاتنا

نشر في: 21 أكتوبر, 2017: 12:01 ص

الجامعة هي المكان الأول التي تنطلق منه أفكارنا، مُتحررةً من قيود بيئتنا الأم التي وجدنا فيها، لتستقل وفق ما نختاره نحن وليس وفق ما أُختيّر لنا، إنها الهاجس الأول لانطلاقنا ثقافياً، سواءٌ كثقافة مجتمع أو كتثقيف فكري متعدد التوجهات، والمجالات، فتُرى لم

الجامعة هي المكان الأول التي تنطلق منه أفكارنا، مُتحررةً من قيود بيئتنا الأم التي وجدنا فيها، لتستقل وفق ما نختاره نحن وليس وفق ما أُختيّر لنا، إنها الهاجس الأول لانطلاقنا ثقافياً، سواءٌ كثقافة مجتمع أو كتثقيف فكري متعدد التوجهات، والمجالات، فتُرى لماذا يضع بعضنا فجوة بين الثقافة والجامعة، وبين المُثقف والأكاديمي؟ هل هي حالة تشظٍ، أم تعالٍ، أم أنها بعثـرة مؤقتة، أضاعت بها الثقافة التكامل الأكاديمي أو العكس، ومازال أحدهما يبحث عن مكمّله الآخر، وهم بحاجة لإسناد من قبل الفئة الواعية من المثقفين، والفئة الواعية من الأكاديميين، ليُكمل أحدهما الآخر.

 

تساؤلات كثيرة يطرحها المثقف عن أسباب الفجوة التي يضعها الأكاديمي، وتساؤلات اكثر يضعها الأكاديمي عن أسباب إقصاء الجامعة عن مفهوم الثقافة المتداول.
الجامعة إحدى روافد الحياة الثقافية، فهي تؤثر وتتأثر وتصبّ في الحياة الثقافية. الأكاديمية والناقدة نادية العزاوي، تجد أن الجامعة لا تبتعد كثيراً عن واقعية الثقافة، فهي ليست بهذا البعد القصري الذي يصفه الشارع، وتقول "على مدى سنوات من الحياة، نجد أن الجامعة استقطبت الشخصيات غير الأكاديمية، ووضعت لها مساحة من الحضور والتواصل، عادةً إياها، الجانب الترفيهي اضافة لوجودها الأكاديمي والمعرفي".
في ثلاثينات القرن الماضي، كان الرصافي عضو هيئة تدريس دار المعلمين العالي، وهو شاعر كبير ومعروف، أيضاً أقامت جامعة الموصل ندوة كبيرة للشاعر الجواهري، من هُنا تجد العزاوي أنَّ "من خلال تلك المبادرات، يتضح لنا بأن هنالك تداخلاً بين الجامعة والوسط والواقع الثقافي، إلا أن الاكاديميين الجُدد، قد يكونوا هم مالئوا تلك الفجوة التي تحدث حالياً".
العزاوي لا ترى وجود أيّ فجوة بين الثقافة والواقع الأكاديمي، فهي تؤكد أنّ "نقاداً وشعراء كثرين، وفنانين، هم في الواقع والأساس أكاديميون". مُشيرة الى "أن العملية بالأساس مرتبطة بالجهد الشخصي للفرد، فهنالك من الأكاديميين من ينفتح على الثقافة، وهنالك من يعزف عنها، فالقضية ليست جفاءً وفجوةً، في الكثير من الجلسات الثقافية، نجد وجوهاً أكاديمية مهمّة حاضرة." مؤكدة "نحن فقط بحاجة لنشاط وفعالية الجهات المسؤولة عن الجامعات وحرصهم على إذابة الجليد بين المثقف والأكاديمي من خلال استدعاء المثقف الى الجامعة وحضور الاكاديمي ثقافياً، ذلك أنّ القصور الذي سيوجد في هذا الجانب، سيقع على عاتق الأكاديمي ويحسب ضده، لأنه يجب أن يتفاعل مع الواقع والشارع الثقافي".
الجامعة لا تتعالى ولن تتعالى ثقافياً، ذلك إنها تمثل المؤسسة الثقافية الأولى في المجتمع. وتذكر العزاوي "أن من يتعالى هم المرضى من بعض الشخصيات، فالجامعة هي المؤسسة الثقافية بصورتها الرصينة معرفياً وعلمياً وأكاديمياً، أما ما يجري في بعض المشاهد الثقافية من ارتداد وطروحات غير ناضجة، فهي سوء فهم من قبل بعض المنظمين لهذا المشهد، وهنا يُفترض بالقائمين على الجامعة، أن يقدّموا خدماتهم للوسط بما ينفعه وينضجه، إذا لم يحدث هذا فلن يكون هنالك تصالح، وأعود واطمئن، أنّ ليس هنالك أي جفاء، وإنما الموضوع بحاجة الى تنظيم وتنشيط فقط".
ربّما هي نظرة استعلاء، أو بسبب الجهل أو قصور في الرؤية والتعاطي مع الفعل الثقافي. الناقد والروائي عواد علي، يجد أن "البعض من المسؤولين في الجامعات، لا يكتفي بموقف اللامبالاة من الثقافة (بخاصةً الفن والأدب)، بل يقف موقفاً مضاداً منها، معتبراً إياها ضرباً من إضاعة الوقت، وتبديداً للمال والجهد، وكأن الجامعة ليست صرحاً ثقافياً مدنياً وحضارياً وبؤرة إشعاع معرفي".
في بعض البلدان الشرقية المتقدمة، حتّى الكنائس والمعابد تستقبل فعاليات ثقافية أدبية وفنية، وقديماً كانت الجوامع والمساجد في عالمنا العربي، فضاءات للجدل الفكري والأدبي والتعبّد في آن واحد، وهنا يتحدث علي عن تجربته قائلاً "شاركت شخصياً، كدراماتورج لعرض مسرحي عراقي مثلتهُ الفنانة إقبال نعيم في باحة كنيسة بمدينة كونفرسانو جنوب إيطاليا عام 1996، ضمن مهرجان البحر المتوسط. وإلى جانب الفعاليات المسرحية، كانت تُقدّم في تلك الكنيسة نشاطات موسيقية وأمسيات شعرية".
يبدو أنّ عواد علي، الذي يُخالف في رأيه الناقدة نادية العزاوي، نجده يتفق معها في موضوعة وجود فجوة بين المثقف والأكاديمي، فيؤكد قائلاً "لا أجد فجوةً كبيرةً بين المثقف والأكاديمي، إنها حسب إطلاعي محدودة، فثمّة الكثير من الأدباء والفنانين، هم قصاصون وروائيون وشعراء ومسرحيون وتشكيليون، هم أساتذة في الجامعات، ولهم حضورٌ كبير في المشهد الثقافي العراقي".
في العراق، وفي العالم العربي على نحو عام، تكمُن المشكلة، كما أشرت، في النظام الذي تقوم عليه الجامعات، وهنا يجد علي بعض الحلول التي من شأنها تغيير هذا الواقع ويقول "على الجامعات، أن تغيّر من نهجها وتشريعاتها، أن تضع ستراتيجيات ورؤى ثقافية للتواصل مع المشهد الثقافي والإسهام فيه من خلال احتضان واستضافة نشاطات ومؤتمرات أدبية وندوات محلية وعربيّة ودوليّة، وحثّ أساتذتها على المشاركة في الحِراك الثقافي، خاصةً أنها تمتلك مؤهلات كثيرة لنجاح تلك النشاطات، مثل الجمهور المؤَلف من الأساتذة والطلبة والقاعات".
كل ما تم الحديث عنه هو استضافات قديمة لنُقاد وأكاديميين مهمّين الى الجامعات للإفادة من تجاربهم، ولكنَّ الأدباء والنقّاد وحتّى الأكاديميين المتفهمين لأهمية التواصل بين الجامعة والوسط الثقافي، يتفقون على الغياب الواضح لاستدعاء المثقف الى الجامعة والإفادة من تجاربه، الناقدة والأكاديمية نادية هناوي، تُشير إلى أن "الاستضافات التي تشهدها الجامعة للنقّاد والمثقفين باتت محدودة، وذلك لارتباط الأكاديمي بجدول دراسي، يحاول من خلاله وضع مجال للمثقف، أو المستقدم للجامعة، ولأن الجدول مزدحم، فلا يستوعب إلّا حالات نادرة من النشاطات اللا صفيّة".
صعوبة تنظيم محاضرات الأساتذة، وانقطاع بعضهم عن الوسط الثقافي، أدى الى هذه الفجوة وهذا التقاطع، فهناوي تؤكد "أّنّ بعض الأكاديميين ما إن يخرجوا من الجامعة حتّى ينقطعوا كلياً عن وسط الثقافة والمهنيّة".
وتجد هناوي، أننا لا يُمكن أن نُسمّي هذا التقاطع بفجوة، بل هي وبحسب قولها "عدم ثقة بين المثقف والأكاديمي بأحدهم الآخر، فالمؤسسة الأكاديمية مسؤولة عن تفعيل الدور المؤسساتي بين المثقف والجامعة، وعليها أن تقدم برامج وتفعّلها للتواصل مع المثقف ومشاركة النشاط الثقافي بالجامعي." مؤكدة "أنّ هذا التواصل والتلاقح يرتبط بالدرجة الأولى بوعي الأكاديمي، وإنّ تخصصه وتقوقعه داخل الحقل، ولا بد أن يقرأ ويطوّر أدواته دون التقوقع في الوسط وحده، لأن هذا التقوقع سيؤدي الى تقلص أدواته".
الأكاديميات الفنية والإبداعية، توفر جانب الإبداع لدى تلامذتها، ذلك أنّ هذا الجانب ضمن تخصصهم، فيقول المخرج المسرحي والأكاديمي وعميد أكاديمية الفنون الجميلة سابقاً عقيل مهدي، إنّ "الجامعة ترتبط بما يعرف بالمسافات الدراسية، والتي يجب من خلالها أن تتوفر الخبرة والشروط الأكاديمية في المحاضر الفنان أو المبدع." مؤكداً "أنّ برمجة الكليات في استقطاب الشخصيات التي لها معرفة ثقافية وتجربة ثقافية، تختلف بحسب منهاج كل مؤسسة علمية أو أكاديمية".
انعزال الأكاديميات عن الثقافة، يُفقد الكثير من القيم التربوية، هذا ما أكده مهدي، قائلاً "إنّ التماسك الذي نلمسه بطالب الأكاديمي يأتي من خلال تواصله مع الكثير من الجوانب الثقافية، فعلى وزارة التعليم العالي على سبيل المثال، أنْ تُشدد على الأنشطة الفنية والثقافية اللاصفية، كما شددت على وجوب تعلم الكومبيوتر والبرمجة واللغة العربية لطلاب الجامعات، لأن الثقافة بمستوى أهمية هذه الدروس".
الجمعُ بين الثقافتين النظرية والعملية، كفيلٌ بإيصالنا إلى ما نطمح إليه من ألق، يذكر مهدي "أن هذا المزج بين الثقافتين العملية والنظرية كفيلٌ بأن تخلق مُثقفاً وفناناً معطاءً ومنتجاً، وليس فناناً أو مثقفاً مركوناً غير قادر على التخطيط والعمل والإنتاج".أن تبقى الثقافة والفنون أكاديمية ونظرية فهو أمرٌ مُحال، ذلك أنها ستبقى أداةً دون عمل وجدوى، وأن تتحول الثقافة التطبيقية الى ثقافة نظرية، فهذا سيكون كفيلاً ببقاء الفجوة وامتدادها بين المثقف والأكاديمي، الحلُ الوحيد كما اتفق عليه جميع الأكاديميين، هو حالة التلاقح بين الثقافة والأكاديمي، ليُقدّم المبدع إبداعه بشكل رصين وثقافي، وليُعطي الأكاديمي خبرته ويصبّها في شخص قادر على إحيائها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

وجهة نظر: كيف يمكن للسرد أن يحدد الواقع؟

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram