TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نظرية كلّ شيء

نظرية كلّ شيء

نشر في: 28 أكتوبر, 2017: 09:01 م

لست أبالغ إذا ما قلت إن شغفي - وشغف الكثير من المهووسين بالقراءة - برواية الخيال العلمي قد نما بالوتيرة ذاتها التي كنت أقرأ بها الكلاسيكيات الأدبية العربية والعالمية ، وقد شكلت أعمالٌ مثل ( حول العالم في ثمانين يوماً ) لجول فيرن ، أو (آلة الزمن ) و ( حرب العوالم ) لهربرت جورج ويلز ، أو ( أوديسا الفضاء ) لآرثر كلارك منبعاً ثرياً ورافداً مهماً من روافد الذائقة الأدبية التي قدّر لها لاحقاً أن تغدو حرفة أدبية اشتبكت بحياتي وشكّلتها على نحو ماصارت إليه.
نشأت معرفتي الأولى بالفيزيائي الأشهر في عالمنا المعاصر ( ستيفن هوكنغ ) عندما سمعت بعبارة ( نظرية كل شيء Theory of Everything ) - تلك العبارة المدهشة التي تستبطن سحراً بقدر ماتبعث على الدهشة ، وعرفت بعد شيء من بحث وتنقيب أن هذه النظرية هي بمثابة " حجر الفلاسفة " لدى الفيزيائيين المعاصرين ؛ فهي تمثل تتويجاً لرؤيتهم الملحمية وجهدهم الأسطوري في محاولة بلوغ نظرية توحّد كل القوى الأساسية المعروفة في الطبيعة ( وهي أربعة قوى بحسب المتعارف عليه في أوساط الفيزيائيين ) ، وعند متابعتي للجهود العلمية المبذولة لتحقيق مسعى توحيد القوى عرفت أن ( ستيفن هوكنغ ) هو واحد من الفيزيائيين الأساسيين المساهمين في جهد بلوغ ( نظرية كل شيء ) .
ظهر كتاب هوكنغ المعنون ( موجز تأريخ الزمان : من الإنفجار العظيم إلى الثقوب السوداء ) مترجماً عن دار المأمون العراقية في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي ، وكان هذا الكتاب باكورة أعمال هوكنغ في ميدان الكتابة العلمية التي تخاطب أوسع حلقات العامة من الناس بقصد إشاعة الروح العلمية وتقريبها إليهم وبث روح الحماسة والشغف بها ، ومن جانبي فقد قرأت الكتاب بكل شغف فور صدور ترجمته وأعدت قراءته مرات عدة لاحقاً .
لن أتحدث الكثير عن هوكنغ ؛ فهو عالم طبقت شهرته الآفاق وبات معروفاً في كل بقاع العالم بسبب إنجازاته الثورية وآرائه المثيرة ( مثل رأيه بشأن موت الفلسفة ، أو بشأن الروبوتات وطبيعة الذكاء الإصطناعي ، أو بشأن ضرورة إستيطان الإنسان لكواكب أخرى غير الأرض ) ، كما أن صورته المرتسمة في الذهن بكونه عالماً فيزيائياً نظرياً فذاً يصنع أعظم النظريات وينجز أدق الحسابات وهو مقيّدٌ إلى كرسيه المتحرك قد ساهمت هي الأخرى في ذيوع صيته .
أنتهيت قبل بضعة شهور من ترجمة كتاب ( موجز تأريخ حياتي ) لهذه الشخصية اللامعة ، وقد أردت من ترجمتي هذه أن تكون وسيلة لإستكشاف المديات العظمى التي يمكن أن يبلغها الشغف الإنساني عندما يقترن بالمثابرة والرغبة في تحقيق أهداف محددة وبخاصة عندما تكون تلك الأهداف ملحمية الطابع ؛ إذ حينذاك يمكن كسر سطوة الإعاقات الجسدية مهما تغوّلت ، ويبدو هذا الأمر واضحاً بأعظم تعبيراته في العبارة الختامية التالية ( التي أنهى بها هوكنغ كتاب سيرته الموجزة ) والتي نلمح فيها روحه الثورية التوّاقة للبحث والإكتشاف المقترن بمسحة تفاؤلية رقيقة وهادئة هي بعض سمات أعاظم العلماء على مر العصور :
... وإنه لأمرٌ مَجيدٌ حقاً أن أبقى حياً وأواظب على البحث في ميدان الفيزياء النظرية كل هذا الوقت ، وسيكون مبعث سعادة لانظير لها في أعماقي إذا ماعلمت أن عملي هذا ساهم في إضافة أي قدر ( مهما كان ضئيلاً ) في فهمنا للكون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram