TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أريد وطنا يمثلني وأحبه

أريد وطنا يمثلني وأحبه

نشر في: 16 ديسمبر, 2017: 09:01 م

أجدني محرجاً في امتداح وطني، ساعة يجمعني مجلس ما مع آخرين، غير عراقيين، فأجدني مضطراً للحديث عن ماضي البلاد. فأقول سومر وآشور وأكد، وأقول بابل وبغداد والبصرة ونينوى، أقول حمورابي وسرجون الأكادي ونبوخذنصر وعبد الكريم قاسم، وأقول ميزوبيتيميا ودجلة والفرات وشط العرب ووادي الرافدين والسهل الرسوبي، أقول أرض السواد وغابة النخل وحقول الحنطة وبرتقال ديالى ورمان كربلاء وبطيخ سامراء ورز العنبر في المشرّح وأقول أشياء كثيرة، لكنْ كلها في الماضي.
أريد أن أفاخر بأشياء نزرعها وأخرى نصنعها وأماكن ومباني جديدة، وشوارع نظيفة وساحات جميلة، لكنني لا أجد شيئاً. أريد ذكر أسماء زعماء وطنيين شرفاء أفاخر بهم، لكنني أخجل من ذكر أسماء وزراء وسياسيين ودبلوماسيين واقتصاديين ومحافظي بنوك. بصراحة أجد أن اسماء مثل نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وإياد علاوي وجبر صولاغ وعمار الحكيم وماجد النصراوي وصلاح عبد الروزاق وعبد الفلاح السوداني وموفق الربيعي وأثيل النجيفي وحارث الضاري والعشرات من مثلهم أسماء ترتطم بحنجرة الوعي، وتعافها ألسن الحق والوطنية ويهملها منطق الانتماء.
أنا رجل عراقي، مثلي مثل الملايين المحرجة في قضية مثل هذه، نريد وطناً نتحدث عنه بفخر مع الآخرين، نريد مدنا مشرقة نسميها مثل أسماء مدننا المشرقة في التاريخ، ونريد سياسيين مثل أولئك العظام، لا يكفينا ذكر أسماء شهدائنا في صناعة وطن كبير، إلى متى سنظل نلهج بذكر أسماء مثل شعلان ابو الجون والشيخ ضاري ويوسف سلمان يوسف (فهد) وسلام عادل وعارف البصري ومحمد باقر الصدر وعبد المحسن السعدون.. وإلى متى سنظل ننبش كتب التاريخ للبحث عن مأثرة لنوري السعيد وصالح جبر وأحمد حسن البكر، إلى متى سنقول: مدينة الرشيد والعصر الذهبي وبساتين ديالى وطريق ابو الخصيب وبرحي البصرة. أين نحن اليوم، نريد رجلا شريفاً في السياسة نتقدم به مرحلتنا الجديدة.
واحدة من أحط صور المرحلة الحالية تلك التي تساجل فيها وزير الخارجية ابراهيم الجعفري مع مستشار الامن القومي موفق الربيعي، صورة للرثاثة في السياسة العراقية، بين شخصيتين كبيرتين، بحسب منصبيهما، لا بحسب شخصيهما طبعاً، كيف يمكنني أن أنتمي لبلاد يمثل سياستها شخص فاقد للذاكرة وخرف مثل الجعفري بتوصيف الربيعي، وكيف أكون آمناً على أمني القومي من خلال شخص اسمه موفق الربيعي، الذي يتحدث بتفاهة التفاهات في أي مقابلة يجريها؟
تحدثنا ما فيه الكفاية عن ظلم صدام حسين ونظامه الدكتاتوري، قلنا فيه ما لم يقله الالمان بحق هتلر، شتمناه ولعناه وصارت حقبة البعث من الماضي، بعد أن علقنا على شماعتها كل ما بين أيدينا من منتجات الخراب، سمعنا وشاهدنا وكتبنا كل من فعله من قتل ونفي وحرمان ضدنا نحن مجتمعين، لكن وماذا بعد؟ نريد وطنا مثالياً بمدنه وأناسه وطبقته السياسية والثقافية والاقتصادية، حتى إذا قام بعثي من قبره شهرناه أمامه قائلين: أنظر. هذا العراق الذي كنتم قتلتم. يكفينا حديثاً عن الدكتاتوريات وحقب الموت والدم والكراهية، مثلما يكفينا حديثاً عن فشل حزب الدعوة والاحزاب الاسلامية في إدارة البلاد، إذ لا يمكننا أن نبقى أسارى المفاهيم تلك، الشخوص القبحاء هؤلاء، هذا وطن لا يختصر بحزب، أي حزب، مثلما لا يختصر بشخص، أي شخص.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram