TOP

جريدة المدى > عام > الأسس الأولى للثقافة الأدبية

الأسس الأولى للثقافة الأدبية

نشر في: 17 ديسمبر, 2017: 12:01 ص

 قد لا يكون العنوان دقيقاً ولكنه ما تهيأ لي فأرجو غفرانكم إن رأيتم تباعده أحياناً. ولكنني عموماً أردت أن أنبه الى مبادئ العمل الأدبي بأجناسه. فمن غير المعقول أن نعمل بعشوائية معتمدين على ثقتنا بأنفسنا وقراءاتنا العامة وربما قدراتنا الفائقة.&nbsp

 قد لا يكون العنوان دقيقاً ولكنه ما تهيأ لي فأرجو غفرانكم إن رأيتم تباعده أحياناً. ولكنني عموماً أردت أن أنبه الى مبادئ العمل الأدبي بأجناسه. فمن غير المعقول أن نعمل بعشوائية معتمدين على ثقتنا بأنفسنا وقراءاتنا العامة وربما قدراتنا الفائقة. 

أن تتحدث أو أن تكتب في علم اللغة تحتاج لأن تعرف إن علم اللغة البنيوي، مثلاً يرجع تاريخه الى بداية العام 1933 عندما نشر بلوفيلد كتاب "اللغة". وعلم اللغة التوليدي يرجع تاريخه الى 1957 عندما نشر تشومسكي كتابه "البنائيات النحوية". بعد هذا أن تلم بكتاب رومان جاكوبسن الذي ربط بين علم اللغة وتحليل الأدب وتفسيره، وهنا صارت للنقاد أدوات عمل جديدة ووجدوا في علم اللغة حلاً. وهذه مسافة نحتاج فيها لمعرفة تطور الدرس اللغوي والفنون الادبية.
من هذا التمهيد ما عدنا في الكتابة الأدبية وفهمها انطباعيين ولا كل انشغالنا بالفن الادبي وحده. علمنا أن الثقافة الادبية اتسعت، وإن ظلت لكل جنس خصائصه، وظل شغل عالم اللغة هو التحليل والباحث الادبي ينصب اهتمامه على القيمة ولذلك يزيد إهتمامه بالنقد.
التركيب الصوتي في اللغة يُدرس اليوم لا عروضاً في الشعر ولكن يدرس فونيمات صوتية. تغير المصطلح وتغير الفهم.
هذا جانب يكشف لنا أهمية أن تكون ثقافتنا الأدبية علمية وقائمة على أسس هي أيضاً منطلقات للدرس والتقويم.
نحن في الشعر غير ما نحن في الرواية. الفن الروائي سرد اعتيادي التراكيب. المهم فيه القدرة التعبيرية عن المشهد أو الحال أو الشخصية تحولاتها وعواطفها. للغة فعل في السرد غيره في الشعر. في الشعر للصياغات ضرورة أولى، وإلا أضاع الشعر الكثير من امتيازه الشعري.
فمن غير المعقول إننا نمارس فناً أدبياً نجهل مقوماته وأسس بنائه. الأسس العامة أو المبادئ مطلوبة مهما تفاوتت القدرات و اختلفت موضوعات الكتابة. ما يؤذي أي كاتب هو تعاليه على مبادئ العمل. الالمام بها أولاً وليحتفظ بتمرداته التي هي بعض من تمايزه أحياناً.
وهذا في الشعر أكثر تعقيداً لأن التراكيب الشعرية النادرة قد لا تكون صيغاً نحوية سليمة من حيث التقديم والتأخير وغرائب الاستعارة وأحياناً نحتاج الى قواعد خاصة بكل جملة. وإلا كيف نفهم وكيف نقوم وندرس قول ستيفن والاس "من خلف وجه من الايدي Behind a face of hands ؟
وقول هارت كرين: شعرها صفير دافئ her hain's warm sibilance
وهي غريبة الاستعارية و أحياناً غير نحوية التركيب. هذه لا تعني تعليق عمل النحوي ولكن تتطلب ثقافة نحوية جديدة. اعتماداً على مستجدات الدراسات الاسلوبية . وان كل سياق من السياقات النحوية "المبتدعة" يحسب حسابها في التحليل والفهم الجديين.
كانت الاجناس الأدبية تدرس باهتمامات اساسية أخرى. وكانت لذلك كتب باتجاه مدرسي تعليمي تعلم اسس العمل ومبادئه. فهناك كتب مثل Botany of Poetry تشريح الشعر و "تشريح" القصة وتشريح الدراما و المقالة .... الخ. في الشعر يعلّمون العروض الشعري و بداية القصيدة ونهايتها والجو الشعري والموضوعات التقليدية المعروفة. هذه اليوم لم تعد كافية ولا مقنعة. أين تضعها وأنت تقرأ دلن توماس و الى جينزبرج وسواهما؟ لكن هذا الابتعاد لم يتجاهل الأسس الاولى وظل ملتزماً بها. فالايقاعات محترمة واحياناً القوافي لا يلتزم بها ولكن توظف ضرباتها الصوتية.
ولعل من الكتب المهمة هو كتاب جدسون جيروم Judson Jervome والذي ميز بين Verse و Poetry أي نظم وشعر. كتاب الاستاذ جيروم عرّبه الاستاذ د. صبري محمد حسن والاستاذ عبد الرحمن القعود وقد صدر عن دار المريخ في الرياض.
ما اعرفه عن هذا الكتاب ومؤلفه يجعلني استحسن بل اثني كثيراً على معربيه واختيارهما ". الكتاب لم يتوقف عند موسيقى الشعر والأنماط أو الصيغ الشعرية Patterns ولكنه تناول الشعر الحر والاستهلال والرمز و الشاعر والجمهور والنشر.
كل هذه ثقافة شعرية لا يستهان بها ولا يغفلها شاعر جاد أو من يطمح لأن يكون شاعراً محترماً. السيد جيروم شاعر معروف وله كتابات في هذا الشأن.
هذا مثال أردته لكل عمل من أعمالنا الادبية. فنحن نحتاج انموذجاً مماثلاً في النقد وأن يكون تطبيقياً ويحترم المناهج ونحتاج ذلك في القصة والرواية والدراما ولدينا بعض من هذه في السينما والمسرح. لكن إلا نحتاج كتاباً مماثلاً، دليلاً ثقافياً لعملنا في الصحافة؟ في التعليم ؟ وحتى الفنون النغمية ، المقامات مثلا، والتأليف الموسيقي وسواها؟ مطلوب إقامة فنوننا وأعمالنا الحرفية على أسس واضحة، علمية، تدرس وتؤسس بها قاعدة انطلاق ولا تظل الكتابات سائبة والشاعر أو الكاتب بلا مقومات عمل وثقافة اسلوبية كما بلا ثقافة مهارات. ونحن في أي فن لا نبقي كل اهتمامنا بهيكله و بنائه. التحوّل الذي حصل في الوعي الانساني ومنذ القرن الرابع عشر حين ظهر مذهب الانسية و ربط بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر لينعطف الشعر ودراساته الى اتجاه ومدى جديد. صار المحتوى الشعري موضوعاً جديراً بالمتابعة التفصيلية. وانتهى الى غير رجعة ذلك التحجر حول ثوابت موروثة وبلغتها اللاتينية. وهذا التحوّل اشترط تطوراً في اللغة، فلم تبق اللغة الفرنسية على ما كانت عليه وأن ظل العروض الفرنسي ملتزماً بما ورثه من أوزان القصائد اللاتينية الا اختلافات، لا تسمو الى الجرأة..
أما التحوّل العظيم فهو ما يجب أن يتم في المحتوى الشعري وفي الرؤية للفن وللعالم. والرأي الجديد إن الشعر يعيد انتاج العالم الواقعي.." هذا هو التحوّل العظيم والذي لم يكتمل إلا في الشعر الحديث وان كانت له اشارات في ما مر من قرون. أكثر من دارس يقول ببدايته لدى الرومانتكيين لكن التحول الحقيقي هيأ له الشكليون. أما الاهمية الثانية، فهي الاهمية التي بدأنا فيها الكلام وهي اهمية المقاربة بين اللغة والشعر باعتبارهما يصدران عن ملكة ادراكية واحدة. وهذا ما اوصلنا من بعد الى شعر البوح عما في داخل النفس وشعر الفانتازيا او اللامعقول. واختلفت الاساليب ومذاقاتها. وربما هو هذا ما اراده شليغل كل انسان في داخله اسلوبه، بتعبير آخر لغته. ها نحن نعود ثانية لنربط الشعر باللغة. "ولان الشاعر اسير ذاته، فلن يستطيع سوى انتاج عدد محدود عن التصورات عن العالم.. وما يأتي بعد من تصورات، أنما تأتي به الثقافة. " ومادامت هي هذه حدود اللغة، وحيوية الكينونة الانسانية دائمة متنوعة التصورات والابعاد، فعلى الشاعر ان يبتدع لغته الخاصة. لغته الخاصة هنا صياغاته الشعرية. وعدنا لنربط الشعر بالاسلوبية والدراسات اللغوية. وهكذا لن نستطيع الانفراد بالشعر عن اللغة. اللغة وسيط الشعر ومادته والا فلا فن شعري ولا أدب ولكن نظراً لا ندري ماذا وراءه.. مسألة اللغة التي يستهين بها بعض الشعراء بدافع التمرد، ليست نحواً وصرفاً، اللغة بالنسبة للشاعر هي التي ترسم خطاباً ينظِّم الصور بطريقة خاصة تسمى أسلوباً. وكلما زادت خصوصيتها زاد المذاق الشخصي للشاعر وميزّنا هذا عن ذاك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

وجهة نظر: كيف يمكن للسرد أن يحدد الواقع؟

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram