في عام 1972، حاول ديدو مورياما أن يدمر التصوير الفوتوغرافي. فأصدر كتاباً بعنوان (باي، باي، عزيزي التصوير الفوتوغرافي!)، مؤلف من لقطات مطَلسَمة ومضبَّبة يُقصد بها أن تكون"كتاباً من أحاسيس مجردة لا معنى لها". وقام بعد نشره الكتاب مباشرةً بإحراق كل الصو
في عام 1972، حاول ديدو مورياما أن يدمر التصوير الفوتوغرافي. فأصدر كتاباً بعنوان (باي، باي، عزيزي التصوير الفوتوغرافي!)، مؤلف من لقطات مطَلسَمة ومضبَّبة يُقصد بها أن تكون"كتاباً من أحاسيس مجردة لا معنى لها". وقام بعد نشره الكتاب مباشرةً بإحراق كل الصور السلبية وأعلن تقاعده من التصوير الفوتوغرافي.
وكانت هذه أفعالاً تعبّر عن استحواذ فوتوغرافي، وليس عن تقليل من شأن هذا الفن. وكان مورياما، وبتأثير من وليام كلين وغيره من مصوري الشوارع في أميركا، قد قضى العقد السابق واثباً من مدينة إلى مدينة في اليابان، وهو يلتقط صوراً فوتوغرافية لبلدٍ يعيش تغيراً ثقافياً واسعاً. وكان كتابه الأول، (اليابان: مسرح للصور الفوتوغرافية)، قد نُشر في عام 1968، وكان تصويراً حيوياً بالأسود والأبيض للجانب الظلّي من الأمة؛ ممثلون مصبوغون، ورجال أعمال سكارى، وأجنّة مجهَضة. وكانت صوره تزداد شدةً وعنفاً مع تصاعد تناوله للكحول والمخدرات. وكان كتابه (باي، باي، عزيزي التصوير الفوتوغرافي!) نقطة انقطاع بصورةٍ ما.
لكن مورياما لم يستطع البقاء بعيداً لوقت طويل. فبعد سنة، عاد إلى الشوارع، مندفعاً بكاميراه على النحو السابق نفسه من القوة. وعنوان مذكراته (ذكريات كلب) عام 1984، إشارة إلى الطريقة الحيوانية التي يستكشف بها المدينة. فهو يجول جائعاً، متطلعاً من حوله، تقوده غرائزه. و كانت بوسترات الأفلام لديه بنفس جمال الأزهار الزاهية.
وهو ما يزال يجول في المدن وعمره 79 عاماً، ويفضّل الآن استخدام كاميرا رقمية محكمة، ليلتقط بطريقة خفيّة من مستوى الوسط."فنحن نرى صوراً لا تُعد ولا تُحصى طوال اليوم ولا نركز دائماً عليها."
ومورياما مشهور بتصويره الفوتوغرافي القائم على الأسود والأبيض؛ ونجد لقطاته المعالَجة بالضوء والعتمة تتذبذب مع كثافة الحياة في المدينة. وعلى كل حال، فإن كتابه هذا يقدم مختارات من صوره الفوتوغرافية من أواخر الستينيات إلى أوائل الثمانينيات. وهي صور تتألق بطابعها الإنساني.
لقد ولد مورياما في عام 1938، فشهد بالتالي انعطاف اليابان من التحمس القومي إلى أزمة هوية أحدثنها الهزيمة والتدمير. وكان أبوه بائعاً والعائلة تنتقل من بلدة إلى أخرى. واتجه إلى التصوير الفوتوغرافي وهو في العشرينات من عمره، ودرس تحت إشراف شومي توماتسو، وهو مصور صحفي مشهور. وبعد أن قرأ رواية جاك كيرواك، (على الطريق) 1956، راح ينحدر في رحلة على الطرق العامة في اليابان. وتنطوي صوره المتّسمة بالألغاز آنذاك على لحظات من حيوات الناس الآخرين في بلد متغيّر بسرعة. وهو يقول عن تقنية التقاط الصور لديه،"قد يبدو وكأني أوجه الكاميرا نحو ما هو أمامي بالضبط، لكني في الواقع أحاول تصوير ما يراه الناس، وليس ما يلاحظونه ــ شيء ما غامض وغير معروف في الحياة اليومية."فتجده يصوّر أشياءً متنافرةً، فاكيوزا (أعضاء عصابات المافيا في اليابان)، حيوانات متشردة، مومسات. وهو يرى المدن أماكن شهوانية.
وقد عبّر مورايانا عن تضارب في رأيه بشأن التصوير الفوتوغرافي الملون، قائلاً إنه يفتقر إلى الحد الشهواني، الأحشائي visceral لصورة اللون الواحد. ومع هذا فأينما يكون نتاجه الملون مفتقراً إلى الكثافة، تجده يفتح طيفاً كاملاً من الغموض. فحين ينظر المشاهد إلى صورة رأس سمكة من صوره، تقابله حملقة تتّسم بالجنون. أما عندما تكون السمكة مصورة بالألوان، فإنك تلاحظ النسيج الشفّاف، والألوان القرنفلية الوافرة. وقد صرّح مؤخراً، قائلاً"إن اهتمامي باللون يزداد اليوم. وما يهمني هو رؤية عملي على نحوٍ مختلف: الشعور المبهم الجديد بتقبل العمل الملون وكأنه خاص بي."
عن / The economist