TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن مكاتب المفتّشين

عن مكاتب المفتّشين

نشر في: 13 ديسمبر, 2017: 05:08 م

adnan.h@almadapaper.net

 

لابد أنّ لدى رئيس هيئة النزاهة أسبابه كيما يعارض بهذه القوّة الفكرة الداعية إلى حلّ مكاتب المفتشين العموميين في وزارات الدولة ودوائرها، لكنّ الداعين إلى الحلّ لديهم هم أيضاً أسبابهم.
السيد رئيس الهيئة يكرّر القول دائماً إنّ حلّ هذه المكاتب يتعارض من ناحية مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، ولا ينسجم مع دعوات وسياسات مكافحة الفساد التي تطلقها الحكومة والبرلمان والشارع العراقي من الناحية الأخرى.
الاتفاقية الدولية هدفها النهائي اتّخاذ كلّ ما يلزم، من جانب الحكومات وهيئات الدولة المختلفة، لمكافحة الفساد الإداري والمالي، وكذا الحال بالنسبة لدعوات وسياسات المكافحة الداخلية.
بالتأكيد، يقف وراء بعض المطالبات بالإلغاء والحلّ فاسدون ومفسدون لا يريدون رؤية أيّ شكل من أشكال الرقابة على عملهم ومؤسساتهم ودوائرهم حتى يبقوا في مأمن من المساءلة وفي حصانة من ملاحقة العدالة. لكن هناك مطالبات تنبع من واقع أنّ العديد من الوزراء والوكلاء والمدراء وسواهم من أصحاب الحل والربط في الدولة قد نجحوا في وضع المفتشين العموميين ومكاتبهم في جيبوبهم ليصبحوا عوناً ونصيراً لهم في ممارسة فسادهم.
ذات مرّة حدّثني أحد وكلاء الوزارات بأنه وصلت إليه، للتوقيع والمصادقة، قائمة حساب تخصّ وليمة غداء أقامها أحد المدراء العموميين في الوزارة لضيوف شاركوا في ندوة نظمتها مديريته. قال الوكيل إنه كان من الواضح تماماً أنّ الأسعار مبالغ فيها إلى أبعد الحدود. فما مِن مطعم في بغداد أسعاره عالية إلى هذا المستوى، بما فيها مطاعم الفنادق ذات الخمس نجوم. هذا الوكيل أحال الأمر، كما أخبرني، إلى مكتب المفتش العمومي في الوزارة لتقصّي الأمر، فكان أن رفع المكتب، بعد تأخير، مطالعة بأنّ الأرقام صحيحة والمعاملة سليمة ولا يُمكن الطعن بها ..! وبالتالي فإنّ المدير العام يقف في الجانب الآمن ..!
في الغالب نسمع قصصاً من داخل الوزارات والدوائر تُفيد بأنّ "جهود" مكاتب المفتشين العموميين منصبّة على المخالفات الإدارية والمالية، المقصودة وغير المقصودة، التي يرتكبها صغار الموظفين (وهي ممّا لا ينبغي التهوين منها)، فيما يبقى كبار الموظفين، وفي الغالب المحسوبون على القوى السياسية المتنفّذة والجماعات المسلّحة، في حِلّ من تحقيقات المكاتب وملاحقاتها، بسبب ما لهؤلاء الموظفين (الكبار) من نفوذ وسطوة ترهبهما، أو تأخذهما في الحسبان، مكاتب المفتشين العموميين.
لا جدال في أهمية هيئات المكافحة، لكن السؤال: هل تعمل هذه الهيئات على النحو المطلوب؟
لما يزيد على العشر سنوات ظلّ الإرهاب يتفاقم في هذه البلاد، لأسباب يتقدّمها تواكل الدولة في محاربته، وتفشّي الفساد حتى في المؤسستين العسكرية والأمنية، وفي السنتين الأخيرتين فقط بدأت قصة النجاح في هزيمة الإرهاب تتواصل فصولها وتتصاعد. حصل هذا عندما آن أوان الشدّ وغادرت الدولة تواكلها وأعلنتها حرباَ ضروساً ضد الإرهاب لا هوادة فيها انخرط فيها الجميع. وهذا بالذات ما تحتاج إليه مكافحة الفساد، حرب حامية الوطيس لا تستثني حتى دوائر المكافحة نفسها .. لكنّنا في الواقع لم نرَ حتى الآن إلا جهداً متواضعاً لا يرتقي إلى مستوى الخطاب الناري الذي بدأ يطرق أسماعنا في الفترة الأخيرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بغداد

    استاذ عدنان حسين مادامَ اسيادهم الذين سلموهم المناصب من وزارات وغيرها راضين عنهم عن الدجالين الحرامية بالوكالة والشعب ساكت ومتفرج واذا أراد ان يتحرك شوية يطلع بساحة التحرير ويطلع اللي بقلبه ويرجع الى بيته تيتي تيتي بلا نتيجة وصار ١٤ سنة على هل المنوال مش

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram