ساعة أتأمل مشهدنا العراقي بعامته من خلال بوابة الثقافة وما يتعلق بها من كتابة وتلقٍ، أجدني منحازاً الى الجملة التي تقول:"إن فهمنا للثقافة عيال على مفهوم الثقافة عند غيرنا"وهذا أخطر ما في الممارسة الثقافية. الرواية وكتابة القصة والفيلم السينمائي وأعمال الرسم والنقد والشعر أيضاً مفاهيم لم تكمل رؤيتها عندنا بعد. وحين أسمع بأن دروساً أولية في كتابة الشعر والقصة والرسم والموسيقى والرقص يتلقاها الطالب في المراحل الأولى لتعليمه بأوروبا وبلاد أخرى، أشفق على حالنا نحن الادباء والمثقفين، الذين ما زال البعض منا لا يعي المعنى الجامع الذي تسعى لتحقيقه الثقافة.
ما زال البعض من الشعراء من يقف مداحاً، هجّاءً، وهذه أدوات غادرتها الثقافة عند الامم التي تقدمتنا، أصبحت من موروث ثقافتها، ولا يخرج الكثير من النقد لدينا عن دائرة الفهم هذه. لكنني أجد ان مغادرة كبار النقّاد ودارسي الشعر بخاصة في العراق، وانشغال البعض ممن ظلَّ منهم بهمومه في الحياة، فضلا عن تراجع المعاني النبيلة التي وجدت من أجلها الحياة برمتها، أدى الى شل حركة النقد والمتابعة. تحدث غيرُ واحد عن أهمية البحث في آلية جديدة لإدارة المهرجانات، آلية تبتعد عن الممارسة التقليدية والتحشيد والتعبئة والهوس بالجمهو،رلكن لا أحد يصغي.
الحياة، وعلى الرغم من تعقيدها ستظل بحاجة الى الشعر، الشعر بمفهومه العام، ما أقصد، وليس المكتوب منه، ومن التعسف أننا نقرأه على وفق ما نعاني من مشاكل، الحياة لدينا شبه بدائية، نحن لم نتطور بعد، قد نكون احوج من غيرنا للشعر. ولا صحة لنهاية الشعر في مكان آخر من العالم، إذ لم تستطع الماكنة الإلكترونية والجنون الصناعي في اوروبا ايقاف شغف الجسد والروح هناك. بالأمس كنت أشاهد واسمع على اليوتيوب قطعة موسيقية للموسيقار الهولندي(أندريه ريو) القطعة شجية جداً، ومؤثرة، أنا شخصيّا تأثرت حتى كدت أبكي، ثم فوجئت بان الكاميرا كانت تنتقل بين أعين المتفرجين، الذين راحوا يمسحون دموعهم. ذات يوم كانت الموسيقى شعرا.
وبمناسبة موسم المهرجانات الثقافية نقول: إن مهرجانات الشعر لدينا لا علاقة لها بالشعر، حتى الذين يُعجبون ببعض القصائد التي تُقرأ لا يعول على إعجابهم، متأسفا أقول: يدخل الشعر عبر منافذ مشوّهة في نفوسهم، لدينا جمهور غالبا ما يسمع بأكفّه. القائمون على المهرجانات بحاجة الى دورات تدريبية خارج العراق، يتعلموا فيها آلية جديدة لإدارتها. منذ زمان ونحن نصرخ: لا تملأوا القاعات برجال الدين وشيوخ العشائر والأميين، لا تستقدموا انصاف وأرباع الشعراء، ولا تستجيبوا لضغط الضاغطين عليكم. صارت منصات الشعر في العراق واطئة جداً، فصعدها من لا يستحق، وتركها من هو اولى بها.
واحدة من أعقد قضايا الشعر هي كيف يمكنك ايصاله الى جمهورك، وتتعقد القضية إذا كان الجمهور بعيدا عن فهمه للثقافة، هنالك من شوّه التذوق والذوق العام، خرّب منظومة التلقي لدى الجمهور. التراجع في فهم الثقافة عند العامة جعل من الشعر الرديئ مقبولاً، من الاغنية الهابطة مثالاً ومن الممارسة البالية انموذجاً. علينا التفريق بين تذوق الشعر وفهم الثقافة، بين إقناع القارئ والمستمع، في آن، بان ما نكتبه ويقرأه ويسمعه كان شعراً وممارسة في الثقافة.
الثقافة بوصفها ممارسة حياتية
[post-views]
نشر في: 12 ديسمبر, 2017: 09:01 م