TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العبادي وما يزيد عن حدّه

العبادي وما يزيد عن حدّه

نشر في: 12 ديسمبر, 2017: 04:00 م

adnan.h@almadapaper.net

 

أظنُّ أنّ موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي حيال الأزمة مع حكومة إقليم كردستان قد تجاوز كثيراً الحدود المقبولة، و"ما زاد عن حدّه" انقلب ضدّه، كما قالت العرب، وهذا ما نخشاه في الحال القائمة الآن بين بغداد وأربيل.
في غير مناسبة تعمّد السيد العبادي إهمال، أو التقليل من، دور قوات البيشمركة في مواجهة داعش وتحرير المناطق التي احتلّها، وبلغ الأمر ذروته بفعل ذلك حتى في بيان النصر على داعش الذي ألقاه يوم السبت الماضي، وهذا ما يُمكن أن يعطي الانطباع بوجود نزعة شوفينية لدى السيد العبادي، لأنّ فعله هذا يمثّل تجاوزاً كبيراً على تضحيات كبيرة لمؤسسة لعبت الدور الحيوي في ضمان الأمن والاستقرار في جزء كبير من العراق، فضلاً عن مساهمتها غير القابلة للإنكار في محاربة داعش وتحقيق النصر عليه. وزاد من الأثر السلبي لخطأ رئيس الوزراء أنّ مقرّبين منه برّروه وسوّغوه واستثمروه في النكاية بالبيشمركة، بل إنّ بعض السفهاء من "المحللين" تجرّأوا بنفي كل دور للبيشمركة في حرب التحرير من داعش!
لا شيء يُمكن أن يُبرّر الخطأ الحاصل، وقيام مكتب رئيس الوزراء لاحقاً بإضافة البيشمركة إلى النسخة المنشورة على الموقع الإلكتروني لرئاسة الوزراء لبيان النصر لا يخفّف من فداحة الأمر. كان من الواجب أن يتحلّى مكتب رئيس الوزراء، وحتى السيد العبادي نفسه، بالشجاعة وبالمسؤولية الوطنية للاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، فالاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه من شيم وخصال رجال الدولة الحقيقيين الوطنيين ومؤسسات الدولة الوطنية الرصينة.
ما الذي يريده السيد العبادي ومكتبه بالضبط من هذا الموقف المتشدِّد حيال الإقليم وشعبه؟.. هل حقاً يريد صون وحدة العراق؟ .. هذا لا يكون باستعداء قوميّة رئيسة في البلاد ولا بمعاقبتها جماعيّاً عن "خطأ" ارتكبه سياسيّون منها.
بسياسة مثل السياسة التي ينتهجها رئيس الوزراء حيال القومية الكردية، إنما يدفع السيد العبادي بالكرد دفعاً للتعصّب والتشدّد، ما يُمكن أن يخلق بيئة مناسبة لنشوء تيّارات قومية غير عقلانية بين الكرد، وهذا ما عنينا بالخشية من وقوعه في الإشارة إلى قول العرب "ما زاد عن حدّه انقلب ضدّه".
من أسوأ الأشياء ألّا يعتبر السيد العبادي بتجارب سابقيه من حكّام هذا البلد وألّا يتفحّص عواقبها. صدام حسين ذهب إلى أقصى الحدود المتطرفة في التعامل مع الشعب الكردي، بالأنفال ومقابر الصحراء الجماعية والأسلحة الكيمياوية، بيد أنّ صدام حسين انتهى نهاية مُجلجلة في خزيها، فيما بقي الشعب الكردي عصيّاً على الإبادة. ولماذا نذهب بعيداً، فسلف السيد العبادي كان قد انتهج سياسة غير سليمة حيال السُّنّة، فكانت النتيجة أن انخلقت بيئة مناسبة للإرهاب المنفلت الذي بلغ ذروته باجتياح داعش واحتلاله ثلث مساحة البلاد، بكل ما ترتّب على ذلك العمل من ضحايا جسيمة في الأنفس ودمار مادّي يفوق التصور وويلات ومحن يندر نظيرها في تاريخ البلاد.
لا ينبغي التردّد في نقد أخطاء العبادي، ففي نقدٍ كهذا مصلحة للعراق وله شخصيّاً أيضاً، حتى لا يذهب بعيداً أكثر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. زانا حسين

    مع الاسف كل من يأتي على هرم الحكم في العراق، يصاب بجنون العظمة و يتصرف كانه الملك الوحيد في الدنيا، كنّا نقول ان العبادي يحل محل المالكي الذي أسس الطائفية، و لكن العبادي أسس حلمه على انتكاسة آنية في اقليم كردستان بمساعدة أعداء البرزاني! فهو لم يتعلم من اخ

  2. Ronak Sabri

    استاذ عدنان كلامك سليم ولكن مره اخرى تسيئ الى الاستفتاء وتعتبره خطأ اقترفه سياسيون منها،وهو خطأ تقع فيه كل مره ربما كان ذلك مقبولا لو لم يسجيب الشعب وبكل فرح وسعاده في ذلك اليوم اما وقد نجح الاستفتاء بنسبة٩٢.٧٢٪ وبمشاركه فاقت التصور فلا يمكن اعتبار ذلك خط

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram