بعد مرور 43 عاماً على تأسيس دولة اسرائيل، صرح اسحاق رابين أمام الكنيست قائلا :"لقد عدنا الى اسرائيل وأسسنا فيها شعبا..ولكننا لم نعد الى بلد فارغ فقد كان الفلسطينيون هنا"..هذه العبارة القصيرة هي التي قتلت رئيس الوزراء الاسرائيلي كما تقول فيفيان فوريستر في كتابها (جريمة الغرب) فقد أصبح الرجل ميتاً او في حكم الميت...(ألم أقل لكم بأن الحقيقة رصاصة أو أخطر من الرصاصة؟)...
وكان سيغموند فرويد عظيماً وبعيد النظر عندما رفض الايديولوجية الصهيونية رغم انه كان يهودياً معتزا بيهوديته وحساس لاضطهاد الشعب اليهودي على مدار التاريخ فعندما جاؤوه عام 1930للتوقيع على عريضة لصالحهم ولصالح مطالبهم في فلسطين رفض وقال لهم : أخشى التعصب الهوسي أو المرضي لشعبنا اليهودي وليس عندي أي قناعة ببضعة أحجار في فلسطين (إشارة إلى حائط المبكى) ثم اردفها بعبارة رائعة تختصر كل شيء قال فيها :"ليتكم بنيتم أوطانا على ارض عذراء غير مثقلة بالتاريخ!!"
كان ذلك في وقت يعرب فيه المثقفون والسياسيون عن آرائهم النابعة من ذواتهم وحسهم الشخصي.. وبالمقابل كان رد الفعل العربي آنذاك حماسيا وعفويا نابعا من رفض حقيقي للوجود الاسرائيلي في المنطقة العربية سواء من ناحية تهديده للعروبة أو للدين الاسلامي، أما اليوم وبعد سنوات من تداخل المصالح العالمية مع اسرائيل واتباع سياسة التطبيع معها في بعض الدول العربية فضلا عن اشغال العالم بقضية (داعش) واعتماد الحكم على الاشخاص والدول من خلال دورهم في دعم الارهاب،لم يعد الاعلان عن قرار بحجم قرار ترامب باعلان القدس عاصمة لاسرائيل يثير نفس ردود الافعال السابقة، فهناك من يظهر خلف مايبطن فيستنكر أمام الاعلام بينما يوقع في الخفاء معاهدات واتفاقيات سياسية واقتصادية مع اسرائيل، وهناك من يعلن عن شماتته في دولة صدرت أعداداً كبيرة من الارهابيين لايذاء شقيقاتها من الدول العربية وينصح حكوماته بالالتفات الى انقاذ شعوبها من الارهاب والفساد بدلاً من التأهب لخوض مناطحات جديدة مع دول كبرى لاينال من يتحداها إلا الخذلان..أما مَن تحركه المشاعر القومية الخالصة ومعها الحرص على قدسية الاسلام فليس أمامه الا الخروج في تظاهرات وتلقي الغاز المسيل للدموع وربما الرصاص الحي..وبالتالي، فلن ينفع كل ماسبق، وسيمرر ماينوي الكبار تمريره كما مرت من قبله قرارات خطيرة عديدة واعترف ببعضها نفس الذين تظاهروا ضدها..
“حين تتفاقم الأمور فأن السلطات تتراجع، يصبح رجل السلطة أمام خيارين، أما الاستسلام للارادة الشعبية واما محاولة قتل الشعب كله"كما يقول ممدوح عدوان، لكن الإرادة الشعبية لم تعد كالسابق ايضا، فالشعوب العربية تنوء بأحمالها بعد ان ابتليت بالربيع العربي الذي حولها الى شراذم وأقليات متناحرة وجعلها عرضة لفساد المسؤولين وضياع القيم الكبيرة، ولن يتوقع الحكام منها مطالبتهم بمقاطعة اسرائيل أو تحشيد الجيوش لمحاربتها، لذا لن يحتاج الحكام الى قتل الشعوب بل سيختارون الاستسلام للارادة الشعبية التي باتت تفضي الى اختيار طريق آخر غير تحدي الاقوياء..ربما يكون السبب عملية الاستنزاف التي خضعت لها الشعوب طوال عقود حتى أضحت هشة وضعيفة وتغيرت خياراتها من المواجهة والمقاومة والكفاح المسلح الى التسوية والسلام..وبين كل هذا تضيع قضية وطن لاذنب له إلا طمع اسرائيل بامتلاكه كله ومصير شعب حمل وزر كل ماعصف بالوطن العربي من تغيير..
ضـــياع قضــــية
[post-views]
نشر في: 11 ديسمبر, 2017: 09:01 م