adnan.h@almadapaper.net
وهي تواجه مشكلةً أو مأزقاً، الإدارات الحكومية وعموم إدارات الدولة عندنا تذهب دائماً إلى أسهل الحلول لتجنّب وجع الرأس وألم تحمّل المسؤولية الاجتماعية والوطنية. بأسهل الحلول يستريح المسؤول في الدولة من دون التفكير في إذا كانت حلوله السهلة تُريح أو لا تُريح غيره بقراره.
منذ ثلاثة أيام نشرنا في هذه الصحيفة خبراً أفاد بأنّ محافظ النجف وجّه الأجهزة الأمنية ومسؤولي المقاهي، بعدم السماح للأطفال والأحداث دون سنّ 18عاماً بدخول المقاهي، بل إنه حذّر أصحاب أماكن الترفيه البريء هذه من السماح بدخول الأحداث، مهدّداً إياهم بالمحاسبة القانونية في حال العثور على أطفال وأحداث في مقاهيهم.
المحافظ برّر قراره بـ"الحفاظ على الأطفال والأحداث من أي خطر قد يلحق بهم، وتشجيعهم على استغلال أوقات الفراغ بالدراسة وتنمية الهوايات المفيدة لهم وللمجتمع"!
هدف جميل ومقدّر، لكن هذا القرار هو من نمط أسهل الحلول، فالمقاهي ستُغلق أبوابها الآن في وجه كلّ من هو دون الثامنة عشرة من عمره، و"يا دار ما دخلك شرّ". هذا بالنسبة للمحافظ والأجهزة الأمنية. لكن ماذا عن الأحداث والاطفال أنفسهم الذين يريد المحافظ، بحسب منطوق قراره، الحفاظ عليهم من أي خطر"، وتشجيعهم على الدراسة وتنمية هواياتهم المفيدة لهم وللمجتمع؟.. أين هي وسائل ومنشآت التشجيع على الدراسة وتنمية الهوايات؟.. أين الاندية الرياضية؟.. أين المراكز الثقافية؟.. أين المسارح؟.. أين المكتبات العامة الثابتة والجوّالة؟.. أين دور العرض السينمائي؟.. أين المراسم والمراكز الفنية؟... أين مدن الألعاب؟
النجف بالذّات محافظة غنيّة وفي وسعها أن تُنشئ لأطفالها وشبيبتها الكثير من هذه المراكز التي ستجتذبهم وعائلاتهم إليها وتوفّر لهم الأجواء المناسبة لتنمية الهوايات والمهارات النافعة المفيدة، من دون حاجة لقرارات الحلّ الأسهل من نوع قرار المحافظ الأخير.. لاعذر للمحافظة في أنّ موازنتها لا تكفي، فبوسع المحافظ ومساعديه، إن أرادوا وبذلوا الجهود الحثيثة المخلصة، أن يحصلوا على الدعم المادي المعتبر من العتبة العلوية والمؤسسات الدينية والشركات ورجال الأعمال المزدهرة أعمالهم من أجل بناء المنشآت الكفيلة باجتذاب الشباب والاطفال والحؤول دون إقبالهم على المقاهي وسواها.
المرجّح أنّ قرار المحافظ جاء على خلفية وقوع مشادات ومناكفات في المقاهي بين الشباب والأحداث وعجز الأجهزة الأمنية عن وضع حدّ لها، فكان أن صدر قرار الحل السهل، ولسان حال مصدّريه والداعمين له يقول: وكفى الله المؤمنين شرّ القتال!
الدول المتقدمة، والمجتمعات المستقرة لا تُبنى بأسهل الحلول، إنما بأفضل الحلول، وهي في العادة مُكلِّفة لكنّها في المقابل مُنتجة ومُثمرة.