أثار فوز الصديق العزيز (عبد الخالق الركابي) بجائزة العويس الثقافية مؤخراً عن مجمل نتاجه السرديّ غبطة مؤجّلة في نفسي وأنا أرى أحد روّاد السردية العراقية يُكافأُ بشيء من إستحقاقه - المؤجّل كثيراً هو الآخر - ؛ غير أنّ الأمر أثار في الوقت ذاته جملةً من التساؤلات المحزنة - تلك التساؤلات التي تتجدّد كلّما شهدتُ وقائع الإعلان عن فائزين بواحدة من الجوائز الثقافية المرموقة - مكانةً وقيمة مالية - والتي تكاثرت في السنوات القليلة الماضية وأصبحت تهتم بحقول معرفية متخصصة أحياناً (مثل حقل الترجمة).
إنّ مردّ حزني هو غياب العراق عن رعاية جائزة (وحريّ بنا أن نقول جوائز عدّة) ثقافية في ميادين معرفية كلاسيكية - كالحقول السردية من رواية وقصة قصيرة،، الخ) فضلاً عن جوائز ثقافية تخصصية - مثل حقل العلوم الإجتماعية والترجمة والعلوم الطبيعية والهندسية والطبية - ؛ إذ لايخفى أنّ الجوائز الثقافية أصبحت وسائل ستراتيجية ضاربة باعتبارها إدوات ناعمة في السياسات الثقافية التي تعد جزءاً حاسماً وحيويّاً من الستراتيجية العامة لكلّ بلد يسعى لإمتلاك سطوة مستحقّة له - تلك السطوة التي تعمل جميع البلدان على توظيفها في سبيل تحقيق مصالحها العليا على المستويين الإعتباريّ والماديّ، ويصبح إمتلاك مثل هذه الأدوات الناعمة أقرب لواجبٍ مفروغ منه عندما يختصّ الحديث ببلدان ثرية بمصادرها البشرية والإقتصادية، وليس من شكّ في أنّ العراق واحدٌ من هذه البلدان.
ثمة جائزة للإبداع تنهض بمهمتها وزارة الثقافة العراقية ؛ غير أنّنا نعرف الظروف البائسة التي تحيط بهذه الجائزة وبقيمتها المالية التي لاترقى إلى سمعة بلد ثريّ مثل العراق، ويبدو أنّ الفاسدين يستكثرون توفير مبلغ محترم يليق بسمعة العراق ويتمّ تخصيصه لجائزة ثقافية عربية في حقول معرفية عدّة ؛ لكنْ يبدو واضحاً أنّ الفساد قد عشعش في أروقة المؤسسات الثقافية العراقية الرسمية والقائمين عليها وماعادوا مكترثين بسمعة العراق ودوره الثقافي العريق الذي إقترن بالعديد من جوانب الحداثة في القرن العشرين.
إنّ الحديث المتواصل عن العجز المالي في الموازنة العراقية ليس بالأمر المسوّغ، ولاأحسب أن القائمين على أمر الثقافة العراقية الرسمية عاجزون عن إيراد قائمة جاهزة بالأسباب التي تعيقهم عن تأسيس جائزة ثقافية كبرى، وما أن تنتهي مفاعيل سبب ما حتى يهرعوا نحو التعلّل بسبب آخر : لماذا لم تتأسّس مثل تلك الجائزة في سنوات الوفرة المالية التي وصفت بالإنفجارية والتي أهدِرت في مشاريع بائسة مثل (بغداد عاصمة الثقافة) وغيرها من المشاريع التي فتحت أبواب الفساد على مصاريعها؟
يبدو لي أمراً حصيفاً تماماً أن لا نعوّل على الخطوات الإجرائية الرسمية المتهالكة المثقلة بالفساد، وربما يمكن البدء بخطوات أولية تنهض بها المؤسّسات الثقافية غير الرسمية في تأسيس جائزة ثقافية عراقية، ولاضيرَ أن تقتصر على العراقيين في سنواتها الأولى، وليس من المحتّم أن تكون قيمة الجائزة مناظرة لقيمة الجوائز الخليجية المدعومة بإمكانيات الدولة وقدراتها المالية الكبيرة ؛ بل يكفي أن تكون مناظرة لبعض الجوائز الأوروبية التي قد لاتتجاوز العشرة آلاف أو العشرين ألف دولار كجائزة الاورانج مثالاً، ويكفي أن ترتبط تلك الجائزة بتقاليد ثقافية راقية وبسيطة يمكنها أن تضخ بعض الأمل والحماسة في أرواح المبدعين العراقيين الذين لطالما عملوا بطهرانية وتفانٍ ولم يضعوا أيّ إعتبار لجائزة أو مكافأة في حسابهم.
لماذا غيابُ جائزة ثقافية عراقية محترمة؟
[post-views]
نشر في: 9 ديسمبر, 2017: 09:01 م