اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مستعمرة جُذام حزبيّة!

مستعمرة جُذام حزبيّة!

نشر في: 5 ديسمبر, 2017: 04:21 م

adnan.h@almadapaper.net

 

حتى الآن صار لدينا 142 حزباً سياسياً .. هذه هي الأحزاب المُسجّلة والمُجازة رسمياً من المفوضية العليا للانتخابات التي يواصلون وصفها بـ "المستقلة"، مع أن أقلّ من عشرة أحزاب نافذة، أي أنها تملك السلطة والنفوذ في الدولة وكذا المال الآتي معظمه وربما كلّه من عمليات الفساد الإداري والمالي، تقاتلت على مدى أشهر في سبيل اختيار أعضاء مجلس هذه المفوضية ممّنْ هم محل رضاها وموضع ثقتها، طمعاً في تحقيق مطامحها الانتخابية!
عدا عن هذا الجيش الجرّار من الأحزاب المُسجّلة والمُجازة رسمياً، ثمة جماعات تنتظر في الدور للحصول على إجازة المفوضية. وبالتأكيد من الآن إلى موعد الانتخابات المُقرّر بعد ستة أشهر، سيقترب العدد من 200، أما إذا تأجّلت الانتخابات، وهذا احتمال غير مستبعد بل يبدو مُرجّحاً، سيكون لدينا عدد فلكي من الأحزاب ربما يقارب عدد أحزاب الهند، ويزيد بنحو عشرة أضعاف على عدد الأحزاب في الديمقراطيات العريقة كبريطانيا وفرنسا، وحتى الولايات المتحدة.
ليس بالأمر الحسن أن يكون لدينا هذا العدد الانفجاري، فنحن بلد صغير نسبياً وأوضاعنا السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية لا تسرّ حتى العدو الشريف. من شأن التضخم في عدد الأحزاب زيادة الانقسام الاجتماعي (الديني – الطائفي – القومي- القبلي... الخ)، وزيادة حدّة الصراعات البيضاء والحمراء، فيما الحاجة تمسّ إلى خلاف هذا تماماً.
هذا الإقبال المُفرط على الحزبية والتحزّب وراءه في الغالب مطامع بالحصول على مقاعد في مجلس النواب ومجالس المحافظات ومناصب الدولة، أي الوصول إلى مصدر السلطة والنفوذ والمال، أكثر ممّا هو دليل على ممارسة الحق الدستوري بالعمل السياسي الحرّ العلني وتوسيع المشاركة الشعبية في الإدارة.
بالطبع المشكلة تكمن في قانون الأحزاب الذي صيغ على الطريقة التقليدية لصياغة قوانين العهد الجديد، وفي مقدمها الدستور، أعني الصياغة حمّالة الأوجه، ما يفتح الابواب لمن يهبّ ويدبّ لأن يشكّل حزباً ويؤلف جمعية سياسية، بمجرد استكمال الإجراءات الشكلية من دون كثير اعتبار وتقدير للمضمون.
ما الذي نريده بالضبط؟ .. هل نريد بناء دولة؟ هل نريد لهذه الدولة أن تكون قوية وقابلة للعيش والتطور والتقدّم؟
الدول الآمنة، المستقرّة، النامية، المتقدمة، لا تبنى بهذه الطريقة... تجربة أربع عشرة سنة أظهرت وأوضحت وأثبتت أننا أقمنا عملية سياسية فاشلة انبثقت عنا "دولة" أكثر فشلاً .. هذا هو السرّ في كل هذا الحجم المهول من الآلام والمِحن والويلات التي نكابدها نحن العراقيين على مدار اليوم والاسبوع والشهر والسنة.
إعادة النظر في العملية السياسية وإعادة هيكلة الدولة صاراً واجباً مُلزماً، وليس ترفاً .. في إطار هذه الإعادة لابدّ من تعديل القوانين كلّها، وأولها الدستور، وبينها وليس آخرها قانون الأحزاب الذي في صيغته الحالية يجعل الحياة السياسية أشبه ما تكون عليه مستعمرة الجُذام... هذا الانفجار الحزبي الفطري شاهد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. علاء البياتي

    عزيزي عدنان هنالك خطأ بسيط ..انتم لم تبنون نظام سياسي ..انت كنتم أداة لتنفيذ نظام سياسي وضعه المحتل ..وانتم قمتم بواجبكم بهدم بلد كان اسمه العراق...جعلتم الناس تترحم على الديكتاتور ..وأعتقد من قراءة مقالاتك انك قريبا ستترحم على الديكتاتور أن لم تكن فعلا

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram