TOP

جريدة المدى > عام > حيدر جمعة العابدي: تقوم العملية النقدية على ركيزة الاختلاف لا التشابه

حيدر جمعة العابدي: تقوم العملية النقدية على ركيزة الاختلاف لا التشابه

نشر في: 4 ديسمبر, 2017: 12:01 ص

الوعي اختلف من حيث تقنيات البناء والأسلوب الفني وطريقة التوظيف

 

منذ أقل من عقد من الزمن نشر أول مقالٍ نقدي له يتصدّى فيه لروايةٍ عراقية تحمل ملامح الغرائبية والرمزية في الواقع العراقي.. ثم لحقته مقالات أخرى تتابع النصّ العراقي ولكن أغلبه كان حول القصة ورواية حتى أصدر بعد هذه السنوات القليلة من عمره النقدي والسنوات التي لم تتجاوز العقد الرابع من عمره الحياتي، كتابين في النقد في فترة واحدة حملا عنوان (الأنساق الواقعية والرمزية في الرواية العراقية ما بعد 2003 ، والتمثلات الدلالية في القصة العراقية ما بعد 2003.) كأنه لا يريد ؟أن يعلن انحيازه للرواية على حساب القصة، أو إنه يريد القول إن السرد بشقيه الروائي والقصصي يسيران معاً.. وانه يريد امتحان قدرته على الولج الى عالم النقد من بوابته الواسعة ليكون ناقداً مثابراً ومتابعاً لكل ما يصدر من سرديات عراقية
ولأن لا شيء بلا بداية فإن الناقد العراقي الشاب حيدر جمعة العابدي يقول عن الذي جاء به إلى النقد والبدايات الاولى، إن "توجهي إلى عالم النقد جاء نتيجةً لتأثري بالقراءة والأفكار الفلسفية التي كنت شغوفا بما تطرحه من تساؤلاتٍ وإشكالات حول الوجود الإنساني والطبيعة وآليات التفكير المعرفي والنقدي" وهو ما جعل هذا التفكير يعتمد على أحد أهم "مرتكزات التفكير الفلسفي الذي يقوم على الشك وإثارة الأسئلة" وهو الأمر الذي جعله يبحث دوما عن إجاباتٍ معرفيةٍ من خلال الأسئلة المطروحة.. أو كما يقول إنها "الرؤية النقدية في الكثير من جوانبها تحاول الانغماس لتحليل قوة وضعف الكثير من الإجابات حول هذه الأسئلة، كان للنقد الثقافي والأدبي الحصّة الأكبر في مقارباتي النقدية" ويحلل السبب من أن "النقد في عمقه المعرفي يمثل اجتراحاً معرفياً وثقافياً قادراً على فك شفرة هذه الأسئلة ويتيح للمثقّف أمكانية تفكيك وتحليل النصوص وإعادة تشكيلها معرفياً من جديد.

مهمة النقد وصعوبته
العابدي يعتقد إن مهمة الكتابة سواء كانت انتاجات أدبية أم نقدية "سهلة على الإطلاق، فكلّ مجالات وحقول التأليف الفكرية والأدبية تمثل تحدياً وخياراً صعباً لمن يريد خوض غمار مهمة التأليف" ويضيف بقوله إنه يقصد التأليف الرصين المنعكس على المهمة النقدية التي "لا تقل صعوبة عن باقي المهام الأخرى، بل أجد إن النقد في جوانبه الفكرية والفنية أكثر صعوبة من باقي الحقول كونه يحاول فكّ شفرة ومضمون النص المنقود، من حيث كشف وتحليل مراكز القوة والضعف فيه وهذا ما يتطلب من الناقد امتلاك رصيد معرفي وعلمي كافٍ لتميزه" وهو الأمر الذي جعله يصدر كتابين نقديين في آن واحد يصدران من إحدى دور النشر المصرية ويعد الاصدارين مهمة أصعب لأنه " سيكون تحت مقصلة الناقد والمنتج السردي معاً، لأن الكتابين كانا حول الرواية والقصة.. ويقول " لا إصدار يأتي للإسراع بالشهرة أو لتثبيت موطئ قدم " ويشرح بقوله "لا بد لأي ناقدٍ إذا ما أراد بناء هويةٍ ثقافية معينة أن يدعم ذلك بنتاجٍ يرسم إطاره الفكري والتأليف أو الكتابة تمثل أثراً مادياً وإطاراً هوياتياً فاعلاً وأكيداً" ويعد إصدار الكتابين يأتي ضمن الدافع الحقيقي الذي يعتريه وهو " لترسيخ هذه الهوية إضافة الى همي المعرفي في رفد وتعضيد هذه الهوية بما ينسجم وتطلعاتي الفكرية" ولكن هذه الهوية كانت تحتاج الى تأصيل من نوع آخر مثلما يحتاج الى تدعيم الرأي بما هو " معرفي اجرائي من خلال دراستي للنصوص الأدبية واستشعاري بوجود حاجة نقدية ماسة اليوم في العراق لفهم تحولات الواقع الأدبي "
وعن عدم تمكن النقد من ملاحقة المنجز المختلف والكثير في العراق، وإن هناك تهمةً موجهةً لهذا النقد. يقول العابدي أن "الواقع النقدي في العراق لا يبتعد كثيرا عن الواقع النقدي العربي من حيث الشكل أو المضمون" ويرى إن ما حصل بعد 2003 زيادة في التجربة النقدية في العراق كونها "شهدت نمواً وتطوراً نقدياً وأدبياً كماً ونوعاً واضحاً ومهماً" لكنه يستدرك ويعترف بوجود بطء أو "تجاهل في ملاحقة الكثير من النتاجات الأدبية بكل أجناسها ولعدة أسباب، منها عدم وجود عدد كافٍ من النقاد والعلاقات والمحسوبية عند بعض النقاد ما انعكس بالسلب على الواقع النقدي" ويضع سبباً آخرعلى عاتق بعض النتاجات كونها" لا تحظى بالتميز نفسه بسبب فقرها الفني وتكرار موضوعاتها فيتم تجاهلها أو بعيدة عن اهتمامات أغلب النقاد" والعابدي يرى إن الحراك النقدي العراقي مهما كتب يبقى متّهما، وتلك حالة طبيعية لا تقتصر على العراق فحسب لكنه يراه "أكثر فاعلية منه في باقي الدول من حيث المتابعة والانجاز" ويعتقد أن كتابيه يأتيان ضمن محاولات الملاحقة للمنجز الادبي العراقي وإنه حاول "متابعة أغلب النتاجات الأدبية والمميزة في القصة والرواية وتسليط الضوء على أبرز سماتها الفنية والفكرية وهو ما يفند تهمة عدم الملاحقة وتجاهل للمنجز الأدبي"

الهوية النقدية والصراع الأكاديمي
وعن رؤيته للواقع النقدي في العراق ، وإذا ما كان بالإمكان الخروج بهوية يشار لها على إنها عراقية بالاستفادة من كل المدارس النقدية العالمية .. يجد العابدي صعوبة الامساك بهوية واضحة محددة لهوية نقدية عراقية كون "العمل النقدي ينطلق من رؤية فردية وشخصية أكثر منه جمعية لذا النقد يختلف من ناقد إلى آخر، أي تقوم العملية النقدية على ركيزة الاختلاف لا التشابه، لكن هذا لا ينفي وجود محاولات جادة في البحث والتقصي حول هذه الهوية من خلال رصد المشتركات الهوياتية.
لكن النقد يشهد هو الآخر صراعا بين النقد الأدبي والنقد الأكاديمي.. بمعنى لدينا العشرات من الأكاديميين الذين لا يرتضون للناقد الأدبي غير المتخرج أكاديمياً أن يكون فاعلاً، أو يأتي برؤية جديدة.. فهل يعني وجود صراع خفي ؟ وإن كان نفياً بعدم وجود الصراع فهل هذا يعني إن النقد بحالة جديدة ؟ وإن كان تأييدا يعني إن الصراع سيتفاعل بشكلٍ متصاعد في المستقبل مع خروج العديد من الأسماء النقدية من خارج الوسط الاكاديمي؟. والعابدي يرى أن الصراع –تاريخيا- يرتبط" بين منظومة ترتبط بالثوابت والقوانين المتداولة والسائدة ومؤسسات السلطة وبين منظومة تعتمد التجريب والتجديد والاختلاف وعدم الركون للسائد" وهو يشير الى أنه من هنا كانت بدايات هذا الصراع الذي ساهم بظهور" المدارس الفلسفية والفكرية في اليونان ومنها الصراع ما بين المدرسة المشائية التي تعتمد حرية التفكير وتداول المفاهيم والتجديد التي أسسها سقراط وبين المدارس الدينية والاجتماعية والأكاديمية ترتبط بالسلطة" ويزيد من أن هذا الصراع له امتداداته العميقة والمتجذرة في التاريخ.. ويعتقد إن الخلاص من هذا الصراع يبدأ " بفعل المزاوجة والتساوق ما بين التوجهين، كونه مطلوب لأيّ تجربة نقدية ناجحة وفاعلة" وهو برأيه إنه لا يمكن إقصاء طرف على حساب طرف آخر، فالجميع "بحاجةٍ إلى الرصانة والدقة الأكاديمية في ضبط المصطلح والمفاهيم كما نحن بحاجة للتجديد والاختلاف معها وتطوير أنتاج مناهج ورؤى جديدة من خلال كسر الثوابت الاكاديمية وبالتالي القطيعة ما بين الاثنين ستنتج فوضى وتشظياً يفقدنا التواصل والتفاعل ما بين الاثنين"

التاريخ وزمن الإصدار
وعن سبب اختيار العابدي لكتابيه النقديين الفترة الزمنية لما بعد عام 2003 .. إن كان متعلقاً بكثرة ما صدر من كتب أو إنها فترة زمنية يمكن الإشارة لها؟, يقول العابدي إنه من خلال " تتبعي لمراحل تطور تحولات القصة والرواية العراقية منذ بداياتها الأولى وجدت إن الوعي في هذين الجنسين اختلف من مرحلة إلى أخرى من حيث تقنيات البناء والأسلوب الفني وطريقة التوظيف، كما إن هذه التحوّلات في مجملها تتأثّر في التحولات السياسية والاجتماعية سلبا أو إيجابا" وهو بهذا يعدّ هذه الفترة الزمنية لما بعد 2003 بحسب مفهومه تمثل مرحلةً جديدة من الفهم والنضج الأدبي التي يصفها إنها متأثرة " بفعل التراكمات التاريخية التي أسس لها الرعيل الأول في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وصولاً إلى اللحظة الراهنة لذا لا توجد مرحلة مهمة وأخرى غير مهمة بل يوجد تساوق و امتداد وتكامل في الرؤية"
ورغم إنه ركز في كتابه النقدي حول القصة العراقية على ظاهرة الرمزية من خلال الواقعية والعكس صحيح.. فانه يسعى الى إيجاد رؤية نقدية جديدة تحسب له، وهو الأمر الذي جعله من خلال الرصد المستمر لأبرز النتاجات الأدبية ما بعد 2003 أنها كانت " ذات سمات وخصائص فنية وفكرية معينة، منها ما أسميته بالواقعية والرمزي أي توظيف واستثمار الواقعي واليومي باطار رمزي من خلال الاسطورة والرموز والمتخيل بكل اشكاله وهو ما أسهم في ايجاد مرجعية فنية وفكرية بخصائص عراقية جديدة تنفتح في نفس الوقت على كل الاسهامات العالمية الاخرى وهو ما يحسب للأديب العراقي"
ورغم أن هناك تشابهاً في عنواني الكتابين فإنه يجيب إن كان يريد التخصّص في الواقعية والرمزية في السردية العراقية ؟ أم إن الكتابة كانت في زمنٍ واحد؟ أم أن لا أحد قبله تناول هذه الموضوعة؟.. فان مرد ذلك بحسب قوله هي انطلاقته " من رؤيةٍ منهجية نقدية تعتمد التحليل والتفسير لما يود قوله النصّ، ومن ثم إيجاد أطارٍ منهجيٍ يتمركز حوله النص ويتبلور من خلاله موضوعة فكرية وفنية تؤسّس لفعالية نقدية ترتبط بالنص من الداخل، بما يمكن أن يقوله النص.. ومن الخارج ما أبحث عنه في النصّ" وهو الأمر الذي جعل الكتابين يتشابهان في العنونة وإنها مسألة طبيعية كونها تأتي "لترسخ وتدعيم تصوراتي حول تهشيم الحدود الموضوعية ما بين الأجناس الأدبية خصوصا وأنها تندرج تحت السرد الواسع مع الوعي التام بخصوصياتها الفنية المختلفة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

وجهة نظر: كيف يمكن للسرد أن يحدد الواقع؟

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram