لم يبق من أشهر السنة الحالية سوى شهر واحد، وسيحتفل العالم بميلاد سنة جديدة، لذا أجدني بحاجة الى حلم بسيط، هو أن أمشي في رصيف آمن ونظيف، بلا أتربة في الصيف ولا أطيان في الشتاء، هكذا، لا أكثر. رصيف بموازاة شارع نظيف آخر، ينتهي بحديقة عامة واسعة، أمشي فيه الساعة والساعتين، أفكر مع نفسي بأشياء بسيطة أيضاً، أن لا أسمع منبه سيارة، ولا يضايقني عليه بائع خضار ولا يعترضني صاحب موكب، أريد الرصيف لي، سأعدُّ خطواتي واحدة واحدة، حتى إذا بلغت المكان، الذي هو بغيتي عدت، بلا أتربة ولا أطيان على حذائي.
ولا أظنَّ مطلباً كهذا سيظل حلماً برأس مواطن في بلاد تتحدث الاخبار عن تريلونات في موازنتها، ثم، ماذا لو أنَّ الحكومة فكرت بانشاء مشيدات، هي مما يدخل البهجة على أنفس مواطنيها، كأن تنشئ معهداً لتعليم الموسيقى، أو مدرسة لتعليم الرسم، آنذاك سأحمل خطواتي بطيئة، صباح كل يوم، أردد مع الطلبة درجات السلم الموسيقى، أو أتبع مسار فرشاة الرسم على قماشة الحرير، أظنّ أنَّ ذلك سيطيل في عمري، أو أنه سيوحي لي بكتابة قصيدة جديدة، أو لندع القصيدة جانباً، هنالك من يقول وماذا جنينا من مئات القصائد التي كتبت؟ وهذا حقٌّ والله، أنا شخصياً، لم أجنِ شيئاً. القصائد أصغر بكثير من حلم إنسان بسيط.
لا أحبُّ أسماء الابطال التاريخيين، بل، لا أثق ببطولاتهم وبالكتب التي تمجّدهم، الأمر ملتبس عندي، ألم يقل كثيرون بأن التاريخ يكتبه المنتصرون؟ ثم أن تاريخنا العربي الاسلامي (زاخر) بالدم والقتل والسبي، وقضية القتل والحروب فيها دماء وفيها قتلى وجرحى وأسرى وأنا أتقزز من مشاهد مثل هذه، لا أحبّها. أريد أن أرى صورة الانسان بعيداً عن الدم والذل والانكسار، الانسان مخلوق بسيط أيضاً، وهو جدير بالعيش المطمئن الكريم، ولا أظن ذلك بمستحيل، نستطيع أن نؤسس له، ألا ترون معي أن تغيير اسماء الشوارع والمدارس والاحياء من أسماء هؤلاء القتلة والقتلى أيضاً الى أسماء الزهور والانهار واليانبيع والنجوم سيسهم في إعادة ترتيب الحياة والامل بسنوات أجمل ؟
الحديقة العامة والمكتبة ودار السينما وصالة المسرح وقاعة الرياضة ومعهد تعليم الموسيقى ومدرسة الباليه واستوديو تسجيل الأغاني والكازينو على ضفة النهر وصالة التزلج ... الخ أماكن تعيد إنتاج الانسان بطريقة حضارية، وهي تؤمن جانباً من الأمن المجتمعي. تهذيب العين والأذن واللسان وعفة اليد وطهارة القلب وحسن الظن بالناس وخلق مناخات من شانها تعزيز الشعور بالمواطنة والمشاركة في البناء قضايا ممكنة، أيضاً، فهي متحققة في مجتماعات أخر، أجد أن الذهاب الى تحقيقها عندنا أمر في غاية البساطة، ذلك لأن بذرة الخير في انساننا واضحة من خلال ما نشاهده من مواقف، إذ كيف تسنى للعراقيين إطعام الملايين في مناسبة الاربعين مثلاً، ونرى كيف يهرع العشرات لإخماد نار في بيت أحدنا، ونلمس عن قرب مشاهد وقصص الشهامة والإيثار عند اهلنا وأقربائنا وجيراننا، وهذه قوة عظيمة لو استثمرت أو وجدت من يحركها.
أشعر بالأسى ساعة أجد من يستهين بالقيم، وتبلغ أحزاني ذروتها أن لا أجد أحداً يحركها. إذا كانت مؤسسات الدولة غافلة أو غير معنية بذلك، فالأمر يقع ضمن مسؤوليات المنظمات والاتحادات والتجمعات العراقية. لنعمل على منح مواطنينا رصيفا نظيفاً لآمالهم، فالحياة ممكنة والله.
الحلمُ على رصيف آمن
[post-views]
نشر في: 2 ديسمبر, 2017: 09:01 م