adnan.h@almadapaper.net
أعجبني كثيراً البيان الذي أصدره محافظ ذي قار بشأن التظاهرات الصاخبة التي شهدتها مدينة الناصرية، عاصمة المحافظة، أخيراً احتجاجاً على مشروع خصخصة توزيع الكهرباء (استثمار وجباية أجور الكهرباء).
البيان ينتزع الإعجاب بلغته العربية الفصيحة السليمة من أي خطأ نحوي أو إملائي، وهذا من أندر النوادر في عمل دواوين الدولة هذه الأيام، بل حتى في الجامعات والمعاهد، بما فيها المتخصصة باللغة العربية وآدابها!
والبيان ينتزع الإعجاب برصانة معانيه وتعبيراته أيضاً، وهذاهو الآخر من النوادر في عمل مؤسسات دولتنا الراهنة.
خذوا مثلاً هذه الجملة الافتتاحية: "إدارة محافظة ذي قار تؤكد احترام حقّ المواطنين في التظاهر والاعتراض والنقد البنّاء الذي يُسهم في تقويم الأداء الحكومي وتفعيل الدور الرقابي وتصحيح الخلل أينما وُجد، وهذا ما يعبّر عن وعي اجتماعي متحضّر يرتقي بدور الفرد والمجتمع ويجعله أكثر حيوية وفاعلية في تطوير الأداء الحكومي والمجتمعي".
وإليكم هذه الجملة الوسطية: "لذا نهيب بمواطنينا الكرام المشاركين بالتظاهرات ضدّ خصخصة قطاع توزيع الكهرباء أن يكونوا أكثر حرصاً في الحفاظ على الأمن والنظام العام وهم يمارسون حقّ التظاهر الذي كفله الدستور العراقي بعد أن حرمنا النظام البعثي المباد من هذا الحقّ طيلة الحقبة الماضية".
ثم هذه الجملة الختامية: "الحكومة المحلية تعدكم بأن تبقى حريصة على تحقيق مطالب تظاهراتكم التي تنسجم مع الدستور، وتؤكد تحذيرها في الوقت ذاته من أن يحاول البعض من استغلالها وشحن الأجواء تحقيقاً لأهدافه الحزبية أو الشخصية. وفي الختام تؤكد محافظة ذي قار تأييدها لجميع المطالب الجماهيرية المشروعة وتضامنها مع كل صوت حرّ ينادي بمنفعة عامة".
هذه لغة جديدة في التعامل بين جهة حكومية والجمهور العام في بلادنا، لا مثيل لها إلا في الديمقراطيات الراسخة، تعكس واقع أن المسؤول الحكومي، حيثما كان منصبه، هو في الأصل والأساس موظف خدمة عامة، وليس وصيّاً على الناس، مهمّته تقديم هذه الخدمة على خير ما يرام لأنه يتقاضى أجوره عنها من المال العام.
ولمناسبة التظاهرات ضد مشروع خصخصة توزيع الكهرباء، وهي شملت محافظات عدة، بينها البصرة، فإن الحكومة قد فشلت كثيراً في تقديم هذا المشروع إلى الناس. حتى الآن لا نعرف بالضبط ما هي مزايا هذا المشروع وكيف للحكومة أن تواجه سلبياته المحتملة التي حرّكت الشارع ضدّه.
إليكم هذا المثل على التقصير الحكومي في هذا الشأن. أول من أمس أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء أنها أطلقت حملة إعلامية بعنوان "خدمة وجباية" للتعريف بالمشاريع الاستثمارية لعقود الخدمة والجباية من أجل إنهاء أزمة الطاقة الكهربائية في البلاد.
الصحف الصادرة أمس لم تنعكس هذه الحملة على صفحاتها الأولى ("المدى" نشرت خبر الحملة على صفحتها الأولى أمس)، وكذا الحال مع محطات التلفزيون. الحملة الإعلامية تعني نشراً وبثّاً متواصلاً وواسع النطاق للتعريف بالمشروع وأفضلياته استناداً إلى معلومات مفصّلة تقدّمها الجهات المعنية، وبخاصة وزارة الكهرباء. والحملة الإعلامية يلزمها دائماً اجتماعات تمهيدية مع إدارات وسائل الإعلام ومحرري الشؤون المحلية .. هذا لم يحصل، ولأنه لم يحصل ستذهب الحملة المزعومة أدراج الرياح.