adnan.h@almadapaper.net
هذا الكلام ليس موجّهاً إلى هيئة الإعلام والاتصالات، لأنها تثبت اليوم بعد الآخر أنها، كما كتبنا وآخرون عنها غير مرّة، ترى بعين واحدة وتسمع بأُذن واحدة. والمعنى أنها لا ترى، أو هكذا تبدو، ما يتعيّن رؤيته، ولا تسمع، أو هكذا تبدو، ما يتعيّن سماعه، وهي تعطي لأمثالنا الأُذن الخرساء والعين العوراء!
الكلام موجّه إلى مَنْ يُمكن أن يكونوا حريصين على أكثر ما ينقص العراق والعراقيين الآن في هذا الظرف التاريخي بالذات: الوحدة الوطنية وتماسك النسيج الاجتماعي، وهم قليلون، بل في حال الندرة، كما أعرف ويعرف الكثيرون غيري.
القنوات التلفزيونية الإسلامية تتمتّع بحريّة لا نظير لها في التعبير، ليس عن الرأي وإنما عن أفكار التحريض وخطاب الكراهية، والقنوات الشيعية تحظى بحريّة مضاعفة، مطلقة في هذا الخصوص، فما من أحد يجرؤ على القول لها "على عينك حاجب"، لا هيئة الإعلام والاتصالات ولا لجنة الإعلام والثقافة البرلمانية ولا حتى رئاسة الحكومة، مع أنّ هذه المؤسسات والهيئات جميعاً مُلزمة بموجب أحكام الدستور بالعمل على الوحدة الوطنية وترصينها وعلى التماسك الاجتماعي وصيانته.
من هذه القنوات قناة "آفاق" غير الخافي على مشاهديها والوسطين الإعلامي والسياسي أنها تنطق بلسان فريق أو جناح من حزب الدعوة الإسلامية. هذه القناة تقدّم برنامجاً "دينيّاً" أُسبوعيّاًّ كل يوم جمعة (يُعاد الأحد والأربعاء)، يتحدّث فيه مَنْ يُفترض به أنّه رجل دين (يعتمر العمامة ويرتدي الزيّ الديني ويتحدّث في الدين وشؤونه)، هو الشيخ عامر الكفيشي الذي يعمل على طريقة هيئة الإعلام والاتصالات: يرى بعين واحدة ويسمع بأُذن واحدة.
الشيخ الكفيشي يحرص في أحاديثه على إظهار الاكتراث بمبادئ الدين وأحكامه وتعاليمه وشؤون المجتمع العراقي، ويرى أنّ الدين والمجتمع مهدّدان بشرٍّ مستطير.. ممّن؟ الشيخ الكفيشي لا يرى هذا الشرّ في الفساد الإداري والمالي وفي الفاسدين الذين تتوالى الوقائع عمّا تسبّبوا فيه من خراب في البلاد والمجتمع، وما تسبّبوا فيه واضح وبيِّن حتى للعميان والطرشان، فانهيار نظام الخدمات العامة وتعطّل عملية التنمية وتفشّي الفقر والبطالة والأُميّة وانتشار تعاطي وتجارة المخدرات والاتّجار بالبشر، هي مما يُحكى فيه في كل مكان ويُذاع ويُكتب عنه على مدار الساعة.. أمّا اجتياح داعش واحتلاله ثلث مساحة العراق فهما فضيحة الفضائح لنظام الحكم الحالي (الإسلامي).
الشيخ الكفيشي يرى أنّ الشرّ المستطير المُحدق بالعراق والعراقيين متأتٍّ من خلطة عجيبة غريبة هي من صنع الشيخ وتُسجَّل علامة تجاريّة له، فلم يسبقه أحد في عمل هكذا خلطة جمع فيها عناصر متنافرة تماماً: المدنيّون والعلمانيّون والشيوعيّون واليساريّون من جهة والبعثيّون والقوميّون والصهاينة والملحدون من الجهة الأخرى.
الشيخ الكفيشي: نعرف أنك وغيرك مضغوطون مِن تردّي سمعة السياسيين الإسلاميين، ومعهم بعض رجال الدين، في المجتمع العراقي وترقّي سمعة المدنيين .. أُصدقك القول بأنّ هذا لم يأتِ بمعجزة حقّقها المدنيّون والعلمانيّون والشيوعيّون واليساريّون، إنّما هو ناجم عن الأخطاء والخطايا الكثيرة التي ارتكبها الإسلاميّون .. مع كل خطأ يخسر الإسلاميّون من رصيدهم الذي يتحوّل تلقائيّاً إلى رصيد للمدنيين والعلمانيين والشيوعيين واليساريين .. أما الصهاينة والبعثيّون والملحدون .. إلى آخر قائمة الخلطة العجيبة الغريبة، فما من علاقة للمدنيين والعلمانيين واليساريين والشيوعيين بهم.. فتّش عن غيرهم، أسلمُ لكَ، جناب الشيخ، وأحوط !