بوسع كل أمة أن تفتخر بإنجازاتها ومشاركتها في مسيرة الحضارة العالمية ، وروسيا ما تزال في طليعة البلدان التي تعير أكبر إهتمام الى الثقافة بالذات . وقال أحد الزملاء الصحفيين مازحاً أن روسيا لا تقدم الى العالم سوى النفط والغاز... والثقافة.

ولربما هو على حق إذا ما تابعنا عدد ما يصدر من كتب سنويا وعدد المسارح ودور الاوبرا والباليه والمكتبات والمعارض الفنية ودور الثقافة في البلاد لوجدنا إن روسيا فعلا دولة ثقافة قبل كل شيء. وهذا يترك آثاره في طبع الإنسان الروسي وسلوكياته في الحياة اليومية فلا توجد في العالم عاصمة فيها أكثر من مائة مسرح دائم كما في موسكو، منها مسارح ذات سمعة عالمية مثل البولشوي ومالي ومسرح موسكو الفني وتاجانكا ومثل هذا العدد الكبير من المتاحف ومخازن بيع الكتب الموجودة حتى في محطات المترو....ناهيك الحديث عن بطرسبورغ والمدن الأخرى.ونتمنى أن نكتسب نحن في بلاد الرافدين، مهد الحضارة البشرية، شيئا ولو يسيرا من الثقافة الروسية.
علما إن المنتدى الثقافي الدولي السادس يعقد في بطرسبورغ منذ عام 2012، وإستغرق هذه المرة عدة أيام من 16 الى 18 تشرين الثاني 2017 . وجرت الفعاليات الثقافية في قاعات الارميتاج والمتاحف والمؤسسات الثقافية الأخرى في بطرسبورغ التي تعتبر العاصمة الثقافية لروسيا. وقد حقق هدفه في جذب رجال الثقافة من كافة أنحاء العالم الى فعالياته ذات الأهمية في تعميق الحوار بين ثقافات مختلف الأمم. وشارك فيه نجوم الثقافة مثل فاليري غيرغييف المدير الفني لمسرح ماريينسكي في بطرسبورغ والكاتب فان مين الحائز على جائزة نوبل والمخرج السينمائي يوس ستيلينغ ومارتن روث مدير متحف فكتوريا والبرت في لندن والموسيقار مكسيم دونايفسكي وكارين شاهنزاروف مدير استديو " موسفيلم" وراقص الباليه المعروف اندريس لييبا والمستشرق ميخائيل بيوتروفسكي مدير متحف " الارميتاج" وعشرات غيرهم .
وقدمت في المنتدي الذي أقامته الحكومة الروسية بدعم المؤسسة الخيرية "الفن والعلم والرياضة" عدة جوائز الأولى الى المحسنين الذين أسهموا بأكبر قدر في دعم المشاريع الثقافية، والثانية التي تحمل إسم لوناتشارسكي (أول وزير ثقافة سوفيتي)قدمت الى العاملين في المؤسسات الثقافية ، والثالثة قدمت الى أبرز أساتذة الباليه والموسيقى والفنون التشكيلية.
وكانت اليابان البلد ضيف الشرف في المنتدى وبهذه المناسبة إفتتح معرض لفنان تشكيلي ياباني وقدمت عروض مسرح سوزوكي من مدينة توغا .
وعملت في المنتدى 14 حلقة للدراسات وعقدت المؤتمرات في مختلف المواضيع الثقافية . وألقيت المحاضرات والدروس التوضيحية (ماستر كلاس) لكبار الفنانين وقدمت العروض المسرحية والأفلام الجديدة. وشارك فيه مندبو 79 بلداً ، وتولى تغطية وقائع المنتدى حوالي ألف صحفي من 35 بلداً. وكان شيئاً ساراً أن يشارك العراق في المنتدى بوفد يترأسه فرياد رواندوزي وزير الثقافة . وقد شارك الوفد بنشاط في فعاليات الحلقة الخاصة بصيانة الآثار .
وخطب في المنتدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدد آخر من الشخصيات الرسمية . وأشار بوتين في كلمته الى أن مما يزيد من أهمية المنتدى" أن الثقافة تسهم برسالة موحدة وتنويرية وتشكل المثل العليا الروحية والاخلاقية والفنية وتصون الذاكرة التاريخية وتخدم تعزيز التعاون بين الأمم والثقافات". وقال أيضا " يمكن القول اليوم أن هذا المنتدى أكد ضرورته وأصبح منصة بارزة للحوار حول القضايا الحيوية للتطور في المجالين الثقافي والإنساني ". كما ذكر أنه ستجري في روسيا مسابقة اولمبية مسرحية في عام 2019، وأعلن عن تخصيص مليار روبل لدعم المواهب الشابة سنويا.
وجرى النقاش في المنتدى حول "أزمة القراءة" حيث صار الانترنت يزاحم الكتاب الورقي وطرح الخبراء آراءهم بصدد معالجة هذه المشكلة. وتم إستعراض مسابقة عموم روسيا بعنوان " الأقليم الأكثر قراءة " ومنحت الجوائز في هذا العام الى 20 دائرة إقليمية في روسيا تأتي في طليعتها مدينة بطرسبورغ.
وسلمت في نادي الضباط جائزة الجمعية التاريخية- العسكرية الروسية " جندي التاريخ" وذلك بمناسبة ذكرى مرور 110 أعوام على تأسيس الجمعية . وتمنح الجائزة الى من يساهم في دراسة وصيانة ونشر التاريخ الروسي.
وقال ميخائيل بيوتروفسكي مدير متحف " الإرميتاج" في المنتدى :" أعتقد أننا أثبتنا أن أهم شيء هو الثقافة والتي هي أسمى من السياسة . إنها الجسر القائم الذي يجب صيانته، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تفجيره. واليوم يمكن القول بثقة أننا ثبتنا وضع المنتدى بصفته أحد أهم الأحداث الثقافية في العالم".