اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عنكبوت قرب المتحف

عنكبوت قرب المتحف

نشر في: 24 نوفمبر, 2017: 12:16 م

كنت قد زرت متحف جورج بومبيدو في باريس عدة مرات لما يحمله من أهمية وتأثير فيما يخص الفن الحديث. لكن بما أن زيارتي الاخيرة كانت لجنوب اسبانيا، فلا يمكنني هنا أن أُفَوِّتُ فرصة زيارة متحف بومبيدو بمدينة ملقا، والذي تَمَّ بناؤه سنة ٢٠٠٥ بالتعاون مع باريس، ليكون حاضناً ايضاً لفن القرن العشرين والواحد والعشرين. إتَّضَحَ المتحف من بعيد بشكله المكعب الذي يشبه كثيراً مكعب كوبيك الشهير، فإقتربت منه وهيأت نفسي للدخول، لكن الابواب كانت مغلقة مع الأسف. فإقتربت اكثر من البوابة التي وُضِعَ عليها اعلان يـشير الى أوقات العمل، والذي يؤكد إن يوم الثلاثاء هو عطلة المتحف، وذلك عكس المتاحف الباقية التي عطلتها تكون يوم الاثنين. عدت في اليوم التالي، وقبل دخولي تحسستُ تمثال العنكبوت الضخم للنحاتة الفرنسية لويز بورجوا، حيث إنتصب في الخارج بإرتفاع اكثر من ثلاثة أمتار لتهيئة الفضاء الخارجي للدخول الى المتحف، كما فعل (بومبيدو باريس) حين وضع في الخارج عملاً جميلاً للنحات الكساندر كالدر.
دخلتُ المتحف، فإذا بسُلَّمٍ طويل جداً أخذني نحو الاسفل، وقد رُسِمَ على درجاته مشروع فني يعود لأحد فناني ملقا الشباب. في الداخل، كانت القاعة الأولى مخصصة للبورتريت الشخصي، حيث واجهني اولاً عمل كبير ومضيء للفنان شاغال، يشغل اللون الأصفر نصف مساحته تقريباً، وهنا رسم شاغال نفسه مع زوجته (فافا) وهما يطيران فوق باريس، حيث تظهر البيوت والكنائس والعربات شاحبة في عمق اللوحة، وقد رسم شاغال هذاالعمل عند عودته من امريكا بعد انتهاء الحرب، ليثبت من جديد، انه كان ومايزال ملوناً عظيماً. ثم يأتي بورتريت الفنان كَيس فان دونغن الذي رسم نفسه بهيئة إله البحر عند الرومان (نبتون)، وهو يتقلد مجموعة كبيرة من القلائد الملونة ويرتدي ملابس بدائية غريبة، وأقراط طويلة ويمسك بيده صولجان، وعلى رأسه قبعة غير منتظمة الشكل حيث يتدلى جزء كبير منها الى الاسفل، بينما تظهر في عمق الخلفية الرمادية، سفينة بعيدة داكنة. في الجانب الآخر كانت لي وقفة مع بورتريت فريدا كاهلو، حيث تجلس وسط اللوحة بنظرتها الغامضة، الغارقة في الوحدة، وعلى جانبيها طائرين أصفرين، وقد أحاطتها بشكل إطار، مجموعة من الزهور التي إستعارتها من الفن الشعبي المكسيكي. بجانب فريدا يطل فرانسيس بيكون برأسه وكأنه يقول: أنا أيضاً موجود هنا ياسادة، ليظهر كيف رسمَ نفسه بشكل مختلف عن الجميع، حتى يُخيلُ لك بأنّه وضع وجهه الدائري وخصلات شعره المتدلية خلف إناء زجاجي مليء بالماء، حيث تمتزج إلتماعة ياقة القميص البيضاء مع ظلام الخلفية، وينحرف الجانب الايسر من الوجه وكأنّه تحت تأثير صفعة او هزة عنيفة. في مكان آخر عُرِضَ بورتريت راؤول دوفي الذي رسم نفسه بلونين، ويظهر وجهه البرتقالي وشعرهُ الفاتح على خلفية خضراء، ليبدو بعينين خاويتين ووجه بائس. وقد عالج العمل بضربات فرشاة تُعيدنا الى فان غوخ ولوتريك.
أخذت جولة طويلة في المتحف، استوقفتني فيها الكثير من الاعمال، فهنا تتدلى الى الاسفل سيقان الرجل والمرأة في لوحة بازيليتس الذي اعتاد ان يعرض لوحاته بالمقلوب. وهناك تظهر عجائن ألوان وليم دي كوننغ التي وضعها على قماشة كبيرة بفرشاته الصاخبة ومعالجاته التي أسس من خلالها مع بعض الفنانين إتجاه التجريدية التعبيرية، وأعمال كثيرة اخرى في متحف جميل وانيق.
هممتُ بالخروج وانا أحمل معي بعض مطبوعات المتحف، والتذكرة ماتزال بيدي، ليفاجئني قاطع التذاكر من جديد، لكن هذه المرة كان عملٌ للنحات جورج سيغال، الذي قَدَّمَ كالعادة كابينة حقيقية، ليعرض لنا عملاً نحتياً عظيماً، حيث يجلس قاطع التذاكر غارقاً في وحدته بعد ان دخل آخر الرواد لمشاهدة الفيلم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram