 دار المدى: لاننشر سوى الكُتب التي يتم الموافقة عليها من قبل لجان مختصة

 مكتبة عدنان: الكتاب يُطبع على نفقة المؤلف ونهتم بالقيمة المادية التي سنجنيها من وراءه

 دار الحكمة: بعد التقييم الأدبي للكتاب نهتم بالتقييم المادي أو التجاري

تفترش الكُتب أرض شارع المتنبي، وتُغلّف جدرانه، كانت عيناي تتراقص على عناوين المُترجمات، وتلك المؤلفات العربية، وبين أهم الموضوعات كُنت أصُدم كثيراً بالكتب الساذجة من تلك الكتب، أفلتت مني ضحكة ساخرة، مُتفكرة كيف يُمكن لدار نشر تُعيد النشر لهمنغواي، وتطبع في ذات الوقت كتاب يخلو من أي قيمة أدبية؟ وكيف لأسم كسعد محمد رحيم حصد العديد من الجوائز، أن يوضع بين صفوف الكتب التي لاتمت للأدب والثقافة بصلة!

أن نستند إلى الكم مُتغاضين عن النوع هو أمرٌ بائس، إلا أن الحاجة التجارية هي التي تدفع دور النشر الحالية إلى ذلك، في الوقت الذي يجب أن تكون للكتب مقاييس وأسس خاصة تخضع لها ليتم نشرها وطباعتها، عن تلك المقاييس يتحدث إيهاب القيسي مدير المعارض في دار المدى للطباعة والنشرقائلاً"إن الدار لاتنشر سوى الكُتب التي يتم الموافقة عليها من قبل اللجان المختصة." مؤكداً " إن هذه اللجان تعمل على تقييم النصوص ومحتوى الكتب المعروضة لها وفي حال يكون هذا المحتوى غير صالح ولا يرقى الى مستوى الادب والثقافة أو الموضوعات الأخرى لن يتم الموافقة على نشره."
وبين القيسي أن " للقيمة الأدبية والثقافية للكتاب الأولوية وتأتي بعدها أهمية المردودات المالية، وهذا الأمر لاغبار عليه في مطبوعات المدى المعروفة لدى الجميع بإهتمامها الثقافي أولاً."
بعض دور النشر بدأت مُهتمة بالجانب التجاري فحسب، فلم ترفض أي نوع من المطبوعات التي عُرضت لها، وما إن استطاعت أن تُثبت حضورها حتى صارت توازن بين القيمة الثقافية والتجارية للمطبوع، هذا السياق إتبّعته دار عدنان للطباعة والنشر، حيث يذكر ياسر علاء صاحب الدار "إن أغلب دور النشر غير المدعومة - كما نحن - تطبع على نفقة المؤلف، وكتب أخرى على نفقتنا الشخصية، الأخيرة تكون خاضعة للجان لتقييمها من قبل مختصين، أما الكتاب الذي يُطبع على نفقة مؤلفهُ لن يُعرض إلى لجان وسنكتفي بالقيمة المادية التي سنجنيها من وراءه، مع مُراعاة أن هذا الكتاب لا يتناول موضوعات لا تتفق وثقافة المجتمع العراقي، كالمسّ بالذات الإلهية وغيرها، وكذلك بعض الكتب التي قد تكون دون مستوى الثقافة ."
تشكيل اللجان لتقييم الكتاب، من حيث محتواه، ومستواه الثقافي والأدبي وتقنيات السرد فيه خطوة مهمة وضرورية لكل دار نشر ناجحة تهتم بنوعية مطبوعاتها، وعن دار نشر سطور يذكر صاحبها بلال عبد الستار " بداياتنا كانت الاهتمام بطباعة الكم، مُتغاضين بعض الشيء عن النوع، ولكن بعد أن بدأ الإقبال يتوسع على الدار، وبدأ حضورنا واضح بين أهم دور النشر العراقية، إتجهنا إلى الاهتمام بنوعية الكتاب وما يحتويه، وكان لابد من تشكيل لجنة مختصة لتقييم المخطوطة التي تُقدم لنا." مؤكداً " أننا لمسنا اهتمام الدار بنوعية المطبوع من خلال حيازة العديد من مطبوعاتنا على جوائز مهمة أو ترشيحها للتنافس على تلك الجوائز."
قيمة الكتاب تجارياً واقتصادياً، تأتي بالدرجة الثانية بعد أن يتم تقييم الكتاب ثقافيا وادبيا، أو علمياً، هذه الخطى تتبعها الدور الرصينة التي لها تأريخ في هذا المجال كدار الحكمة للطباعة والنشر حيث أكد عبد الحليم محمود السامرائي مدير مكتب بغداد لدار الحكمة "بعد التقييم الأدبي للكتاب سنهتم بالتقييم المادي أو التجاري، والذيّ يُعدّ مهماً أيضاً، إلا أن صاحب الدار يُركز وبأمانة على القيمة الأدبية حتى في المطبوعات الجديدة التي نُقدمها لمؤلفين وكُتاب شباب وجدد، نُركز أولاً على محتواها ونُقيّمها وبعدها نحدد مدى أهليتها للنشر، ولا توجد مجاملات في ذلك." مُبيناً "أننا نبتعد بكل تأكيد عن بعض الكتب المُسيئة لروح القارئ والمجتمع العراقي أو العربي أوالذات الإلهية."
الإلحاد، المساس بذات الله، والتابوهات الجنسية والسياسية هي من أهم الموضوعات التي تتجنب دور النشر طباعتها والترويج لها، ذلك لأنها تُسيء لواقع المجتمعات كما إنها لن تشهد إقبالاً أو قبولاً حين تُشارك في معارض عربية أو دولية كما أكد محمد رسول أحمد عن دار الرافدين للطباعة والنشر ذاكراً " أن هذا النوع من الموضوعات لا تناسب الطباعة والنشر لأنها بالدرجة الاولى وإن كانت جيدة وفق مقاييس أدبية وثقافية وعلمية إلا أنها لن تشهد أي أقبال في المعارض العربية والدولية ولن يُسمح لها بالمشاركة من الأساس."
إن قرار مجلس قيادة الثورة عام 1992، تبعات ماتزال قائمة، دوره في تلكؤ المشاركات العراقية في المعارض العربية والدولية، حيث ماتزال الحكومة العراقية اليوم تعمل بهذا القرار، وهذا ما يُحدد حُرية مشاركة دور النشر العراقية في المعارض العربية والدولية، لأن الكتاب العراقي ممنوع من التصدير إلى الخارج، وهنا سنجد أن بعض دور النشر التي لها مشاركات خارجية إعتمدت على طبع كُتبها وخزنها في بلدان خارج العراق، ليمنحها هذا فرصة المشاركة في معارض الكتب الخارجية، حيث أكد بلال عبد الستار"أن هذا القرار حدّ كثيراً من مشاركات دور النشر العراقية، ويبدو إن مجلس النواب والحكومة العراقية غير متفرغين لتعديل هذا القرار، حتى أن وزارة الثقافة تتنصل عن دورها في التدخل والمطالبة بمعالجة هذا القرار."
من جانب آخر أكد كل من إيهاب القيسي عن دار المدى، ومحمد رسول أحمد عن دار الرافدين "أن هذا القرار بكل تأكيد تسبب في تلكؤ مشاركات بعض دور النشر التي تطبع كتبها داخل العراق، إلا ان أغلب دور النشر اليوم تطبع مطبوعاتها خارج العراق في بيروت على سبيل المثال وتستطيع بذلك المشاركة بالكثير من المعارض العربية والدولية دون وجود أي اشكالية." ليؤكد القيسي قائلا "أن دور النشر العراقية اليوم أغلبها فتية وبحاجة إلى وقت طويل ليكون لها مشاركات دولية."
بينما يجد محمد رسول أحمد "أننا نواجه مشكلة أهم غير قرار عام 1992، وهذه المشكلة هي التي تقف حاجزاً دون مشاركاتنا الدولية، وهي إننا لانمتلك كاتبا عراقيا يستطيع المنافسة دولياً إلا بعض الكُتّاب النادرين جداً، ويبدو أننا لا نملك ثقة بطرح أنفسنا عربيا ودولياً، حتى أننا نُعاني من ترجمة المطبوع العراقي ليصل إلى لغات أخرى، ولانزال نقتات على المطبوعات الاجنبية المترجمة، وهذه بحدّ ذاتها تعدّ مشكلات مهمة واضافية تسببت لتلكؤ مشاركاتنا."
لتجد بعض دور النشر أن لا وجود لأي مشاكل في مشاركات خارجية، فممثل دار الحكمة يذكر "أن قرار عام 1992 لم يتسبب بإعاقة المشاركات الدولية، وإن دار الحكمة تشارك في جميع المعارض العربية والدولية، عدا تلك المعارض التي لانشهد عليها إقبالاً ،ويذكر نحن لن نستفيد من المشاركة بها أصلا."
صناعة الكتاب، والمشاركة بها في معارض عربية ودولية، وترشيحها للمشاركة بالمنافسات الخاصة بجوائز الكتب، جميعها وسائل كفيلة بالترويج للكتاب إلا أننا بحاجة إلى طرق استثنائية غير تقليدية للترويج للكتب بشكل أوسع، ويبدو إن الترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعدّ من أهم الطرق التي باتت دور النشر تتبعها اليوم للتسويق لمطبوعاتها حيث أكد إيهاب القيسي "أننا في دار المدى للطباعة والنشر وبعد أن نختار أسماء مهمة لطباعة مخطوطاتهم، وبعد التأكد من أهمية الموضوعة الخاصة بالكتاب سننطلق بإستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة والاعلام للترويج للكتاب اضافة إلى وسائل عرض بعض المطبوعات المجانية للجمهور المختص والمهتم بالقراءة، هذه بحدّ ذاتها ستكون وسائل صائبة جداً للترويج للمطبوع."
إسم المؤلف، وجمهوره، ومتابعيه يُمكن أن يكونوا وسيلة أخرى للترويج للمطبوعات، حيث يذكر ياسر علاء عن دار عدنان للطباعة والنشر "أن بعض الكُتّاب يمتلكون متابعين جيدين على صفحات التواصل الاجتماعي، هؤلاء يكونوا كفيلين للترويج لأنفسهم بشكل واضح وجيد، وحتى الترويج للدار ذاتها وليس للمطبوع فحسب."
مُشاركة الكتب في مهرجانات مهمة، ونيلها أو ترشيحها لجوائز مهمة، تُعدّ نقطة إنقلاب لتسويق الكتاب بشكل واضح وكبير، وهنا يذكر صاحب دار سطور للطباعة والنشر "أن الكتب التي تتنافس على جوائز مهمة ستكون فرصة مشاركتها بحدّ ذاتها وسيلة جيدة للترويج ومهمة، وهذا ما حصل مع كتاب مقتل بائع الكتب، الذي ترشح للقائمة القصيرة للبوكر." مُشيراً إلى "أهمية الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي والسوشال ميديا في عملية التسويق التي تحتاج اليوم لثقافة وتوعية ودراسات لتطويرها وخصوصاً في مجال الكتاب."
ليؤكد صاحب دار الرافدين للطباعة والنشر من جهة أخرى "أننا بحاجة إلى المزيد من التقنيات لفهم معنى التسويق وثقافة التسويق، وخاصة على صعيد الكتاب، فنحن عاجزون عن خلق أفكار جديدة واستثنائية من شأنها الترويج لكتاب معين."
تستمر مشكلة الكتاب العراقي ابتداءً من صناعته، وحتى مشاركاته الدولية وتقنيات وطرائق تسويقه والترويج، حيث يشهد العالم العربي عامة والعراق خاصة تراجعا كبيراً في الاهتمام بالمطبوع الورقي، ومدى اقبال القارئ عليه.