اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > النظافة لم تُعدّ من الإيمان!

النظافة لم تُعدّ من الإيمان!

نشر في: 14 نوفمبر, 2017: 05:06 م

adnan.h@almadapaper.net

 

ما عاد العراقي تستفزّه مشاهد النفايات، حتى لو تكدّست عند بابه. إنه يبدو متآلفاً ومتوافقاً ومتعايشاً معها على نحو غير مسبوق ولا مثيل له في أي بلاد أخرى، كما لو أنها من لوازم الحياة اليومية وشروطها.
والنفايات في العراق نوعان، الأول هو الأزبال الناشئة عن الاستهلاك المنزلي ومخلّفات الأعمال في الاسواق المتصلة أكوامها ومتفرقاتها على طول الشوارع والدرابين والساحات، وهذا نوع خطِر على الصحة العامة والبيئة . أما النوع الثاني فخطره عام شامل يتعدى خطره الصحة العامة والبيئة الى الاقتصاد بفروعه المختلفة والخدمات العامة الأساس، كالكهرباء ومياه الشرب والتعليم والصرف الصحي .. إلخ... إنها النفايات السياسية التي يزدحم بها الشارع السياسي – الحزبي ومؤسسات الدولة، من البرلمان والحكومة الى أدنى دائرة في الجهاز البيروقراطي للدولة.
لا يبدو أنّ لمشكلة أزبال الشوارع حلّاً، مثلما لا يلوح في الأفق أمل بحلّ سائر المشاكل البنيوية التي يعاني منها المجتمع والدولة في العراق. ولهذا علاقة وثيقة بالنوع الثاني من النفايات، فالفساد السياسي والإداري والمالي لا يُبقي على شيء من موازنات الدولة لتأمين الخدمات العامة وإنْ بأدنى مستوى، بما فيها خدمة رفع الأزبال من الشوارع والدرابين والساحات.
يومَ ظهر رئيس الوزراء حيدر العبادي على التلفزيون، منذ أيام قلائل، عاملاً بهمّة على مكنسة، مشاركاً كنّاسي الشوارع والمتطوعين في رفع النفايات المتخلّفة عن زيارة الأربعين في مدينة كربلاء، قلنا: يا الله، جاء الفرج أخيراً وسنشهد حملة وطنية لتنظيف الشوارع والساحات من النفايات التي تضرّ بالصحة والبيئة، بل إنّ البعض منّا جمح به الخيال كثيراً ليرى السيد العبادي في صورة حامل مكنسة بحجم العراق (مكنسة دستوريّة) لتنظيفه من النفايات السياسيّة والإداريّة.
في اليوم التالي ليوم المكنسة، تبيّن للجميع أننا كنّا في الواقع أمام مشهد استعراضي، فما من شارع أو دربونة أو ساحة قد تنظّفت، وما من مسؤول حكومي أو حزبي قد تأثّر بـ "مبادرة" رئيس الوزراء. أغلب الظنّ أنّ المسؤولين الحكوميين والسياسيين ومرافقيهم وحرسهم استأنفوا في ذلك اليوم، التالي، عادتهم المتأصلة برمي الازبال في الشوارع والساحات (لم يعد أحد منهم يعيش في الدرابين ومدن الصفيح، كما كان عليه معظم المسؤولين في دولتنا والاحزاب السياسية المتحكّمة بها). بغداد تقدّم مثالاً ناصعاً على هذا الحكم، فاليوم (الخامس عشر من تشرين الثاني) هو يوم بغداد، ولم نرَ في الأيام الماضية ما يشير الى أنّ أمانة بغداد عازمة على تحويل ما قام به السيد العبادي في كربلاء إلى "مبادرة وطنيّة" للنظافة تنطلق من العاصمة المتحوّلة إلى "مكبّ وطني للنفايات"، ولا أظنّ أنّ الأمانة ستفعلها هذا اليوم.
العراقي لم تعد تستفزّه النفايات، كما افتتحتُ عمودي هذا، حتى لو كان هذا العراقي سيّدة أنيقة تتولّى أمانة بغداد!... فيا لنحس حظّ بغداد والعراق بأجمعه ويا لسوء طالعهما في عهد الإسلام السياسي الذي ما عاد شعاره: "النظافة من الإيمان"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. بغداد

    استاذ عدنان حسين ينراد الشعب العراقي يجمع تبرعات ويشتري بلدوزر ألمانية الصنع وسائق محترف وركضة تشبه ركضة طويريج بمليون مواطن بغدادي ورة سايق البلدوزر ومباشرة على منطقة النفايات المنطقة الخضراء وكرفهم كرف ورميهم في حفرة عميقة جدا ثم يتم ردم الحفرة ووضع صخر

  2. علي الكرخي

    البلد يحتاج الى برنامج ومعدات لاي دولة متقدمة في هذا المجال ممكن استنساخ تجربتها لتطبيقها على العراق للوصول الى النجاح وعدم الضياع باقتراحات غير مجربة ...تجارب الاخرين تنفع ..

  3. محمد سعيد

    بمنطوق معظم الشعب العراقي الذي تربي علي الا اباليه وعدم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية سيظل موضوع مبادرة رئيس الوزراء في المساهمة مع الزبالين في كنس شوارع كربلاء بعد الزيارة الأربعينه مجرد عمليه نفاق سياسي وتقليد مستورد بعيدا عن جوهر عن

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram