منذ فترة بعيدة وعدوى الأزمات الخانقة تطارد عالم الرياضة بجميع مؤسساته وألعابه أسوة بالسياسة، بل وتشبهها الى حدود بعيدة في التعاطي والحلول والمبادرات أيضاً، وصار من السهل التنبؤ بما ستفضي إليه الأحداث المتراكمة والقضايا العالقة بين جميع المؤسسات، ومن الممكن القول إن حلول اللحظات الأخيرة أو مبادرة آخر لحظة هي القشّة التي تقصم ظهر البعير وتفرض الحل الأخير كواقع حال لا يقبل النقاش أو الاجتهاد مجدداً، المشكلة أن جميع من يتولى المسؤولية أو من يراقبها يدرك فداحة الخطأ وعقم التجربة ومع ذلك يركن الى تسيير الأمور بخواتيمها، فكم من جدال حاد أربك وضع منتخباتنا الوطنية وبكرة القدم تحديداً بين اعتماد المدرب الأجنبي أو المحلي وينقسم حينها المؤيد والمعارض الى فرق شتى تدافع وتثبت بالأدلة العقلية والنقلية جدوى هذا وجدية ذاك ويسدل الستار أخيراً قبل موعد البطولة بأسبوع أو أكثر بقليل تحت مسمّى مبادرة آخر لحظة، واعتماد من يتم اعتماده كواقع حال يلجم الأفواه تحت ضغط المشاركة المستعجلة، يظن البعض أن الخلطة مرّت بهذه الصورة المزدحمة من الآراء والعقبات وصعوبة الاتصال وتأمين الماديات وغيرها، والحقيقة هي شيء آخر تماماً لأنها اسلوب قديم متبع في عالم السياسة هدفه إرباك الوضع وشدّ الأطراف ومن ثم الركون الى الحل المفيد لمن بيده مفتاح اللعبة.
هكذا هو الحال ببساطة ودونما تعقيد، ومن الممكن لمن يريد أن يتأكد أو يحلل هذا الرأي أن يعود الى جميع الأزمات الرياضية الخانقة التي عصفت باتحاداتنا الرياضية ومنتخباتنا الوطنية وأنديتنا ومنها على سبيل المثال، دوري النخبة المنتظر الذي تأخر كثيراً كما هو معروف وشذَّ عن بداية الانطلاق مع جميع دول العالم ووصلت الأمور فيه الى التهديد والوعيد والانقسامات حتى من داخل الاتحاد المركزي ولجنة المسابقات والأندية، ويقيناً أنها ستبقى مشدودة الى اللحظة الأخيرة التي تنتهي فيها اجتماعات الفنادق والمنازل ويختتم العزف على انغام الفضائيات بمن يندّد ويفنّد ويكون الحل من واقع الحال المضطرب الذي لا يسمح بخسارتنا الوقت والجهد دون الانطلاق، لاسيما وأن الأندية الرياضية قد أجهدت نفسها استعداداً في ساحات تونس وتركيا ولا يمكن بعد ذلك أن يكون الدوري النخبوي مؤجّلاً إلى ما لا يعرف مصيره.
الخلاصة في الحديث، أن هذا الذي يحصل ونتعايش معه مُرغمين هو سياسة مناسبة جداً للواقع اليوم، وحالة التشتّت التي نعيشها بعد أن تركنا التخطيط والدراسة المستفيضة ومواكبة الأطر الحديثة للتنظيم والعمل المتبعة في العالم من حولنا واستأنسنا الفوضى العارمة التي مزّقتنا شرّ ممزق حتى لنرى أن الحلول والتطوّر المستقبلي صار أمراً بعيد المنال، والدليل هو التراجع الخطير في رياضتنا الإنجازية وبعدها عن المنافسة العالمية، حدود مرعبة سحبت بتأثيراتها الإعلام الرياضي هو الآخر وقسّمته الى فرق دفاع وسواتر للتصدي وتبني آراء الجهات المسؤولة في عالم الرياضة، ومن النادر أن ترى جهة إعلامية محايدة دون أن تتصيّدها حبال المؤسسات وتجيّر آراءها لمصلحتها الخاصة.
قد يكون الواقع السوداوي الذي أطرحه مُرّاً مبهماً، ولكن لابد أن تنتهي هذه اللعبة في يوم من الأيام بخطوة شجاعة تكسر الصمت وترفض حلول اللحظة الأخيرة.
مبادرة آخر لحظة
[post-views]
نشر في: 12 نوفمبر, 2017: 09:01 م