تمكن الروائي الايراني حسين مرتضائيان ابكنار في روايته(العقرب على ارداج سلم محطة انديمشك) والتي ترجمها للعربية المترجم والشاعر حسين طرفي عليوي، وصدرت مؤخرا عن دار ومكتبة شهريار بالبصرة من اختصار الكثير مما كان يود قوله الجنود العراقيون والايرانيون، الذين حملوا السلاح ضد بعضهم، في الحرب التي التهمت عقد الثمانينيات كله، وعلى الرغم من الصعوبة البالغة التي واجهها الكاتب في الرواية، فهو لم يكتب رواية تعبوية، مثلما لا يريد لعمله الاصطدام بعقبة المؤسسة الثقافية، إلا أن الرواية تكشف لنا عن الوجه الآخر من الحرب. لم يشأ التصريح بشكل العدو، ولم يسم الجغرافيا المقابلة بوضوح، لكنه، تحدث عن الحرب بوصفها مكانا للموت.
وكانت دار ومكتبة شهريار قد وجهت الدعوة لمترجم الرواية الشاعر حسين طرفي عليوي واثنين من زملائه المترجمين من الفارسية الى العربية، هما أحمد حيدري مترجم (رواية خالي العزيز نابليون)، ومحمد حزبائي الذي ترجم للفارسية أشعار غسان كنفاني وبعض روايات عبد الرحمن منيف لذا فقد كانت الفرصة متاحة لقصر الثقافة والفنون في البصرة في استضافة ثلاثة الادباء وليحضر عدد من أدباء ومثقفي المدينة، ولنمسع حديثا مغايرا في تفاصيل الرواية والأدب الايرانيين، وما هذه إلا بغية اللقاءات والافعال التي ستقصر المسافات وتردم الهوى، وتكشف للجميع حقيقة وغاية الثقافة، ولعل الورقة التي قدمها المترجم محمد حزبائي عن تاريخ الرواية في ايران اسهمت كثيرا في التعريف بالرواية الايرانية حيث يجهل المثقفون العراقيون تفاصيل كثيرة عنها.
ولأن فضاء الحرية المتاح للكتاب هناك، لا يمكن مقارنته بالفضاء المتاح لدينا في العراق، ولأن المؤسسة الدينية تحكم قبضتها بقوة على صناعة الكتاب كتابة وترجمة فقد لاقى الثلاثة صعوبة في قول ما يتوجب قوله، هناك حبسة في ألسنتهم، هي حبسة من لم تستقم حريته في الحديث عن لغته وأدبه وثقافة مجتمعه، وهناك من يريد أن يقف على التفاصيل بكل احقيتها، وهو لا يعلم ببواطن حاجة الغريب عن لغته الى السماع والقراءة والتصفح، من يقف حائرا بين انتماءين، انتماء الفطرة وانتماء القسر ستحق له الاجابات المواربة ويُعطى العذر في التخفي والامتناع.تختلف اسئلة الشكوى وتتباين حدود التلقي وتتعدد مستويات القراءة، لكنْ تستعر نار المعرفة.
ومثل صبية تركوا آباءهم، يختفي الادباء الثلاثة في سوق الفراهيدي(شارع الثقافة البصرية) لا، ما هم بضائعين في الجغرافيا، فالبلاد هي هنا مثلما هي هناك، وسوى النهر، متاطمن الضفتين لايجد أحد برية للتيه، لكنما جمرة اللغة، عشق الشاعر للمعجم الجامع. كانت شبكة الصيد قد التقطت ما امكنها من الورق والأغلفة، وضمت خروجها ما استطاعته من الكلمات والسطور والصور، كانت المفاضلة صعبة بين حاجة أدباء المدينة للكتاب وبين جوع ونهم الاشقاء للكتاب ذاته، أتعلمون ماذا يعني أن تقرأ كتابا بلغتك التي حرمت من الكتابة بها؟ هي فعل من أفعال الموت، وهي سوط حرمان يلهب الروح، لا يشعر به إلا من اكتوى بغربته في أذنه ولسانه وقلبه وعينه.
وحين وقفنا على ضفة شط العرب، بابي الخصيب، عند بيت السيد طالب النقيب بالسبيليات، حيث كتب اسماعيل فهد اسماعيل روايته، وهبت النسيمُ رطبة محملة بالنخل والقمر المجنون البعيد، فوجئت بأذرع محمد حزبائي، أذرعه الكثيرة تطوقني، في عناقٍ أكيدُه البكاء، راح يستاف من جسدي رائحة تراب وماء وموت كان وما زال يجمعنا منذ مئات السنين.
الاحتفاء برواية إيرانية
[post-views]
نشر في: 4 نوفمبر, 2017: 09:01 م