مات علي أبوشادي..
وقبله سمير فريد.. وقبلهما بشّار إبراهيم ومصطفى المسناوي وقصي صالح الدرويش وغسّان عبدالخالق، وغيرهم من الزملاء.. غيابات متلاحقة في بُرهة زمنية قصيرة تسبّبت في خسارات كبيرة وفراغات لا تعوّض في النقد السينمائي العربي وفي مجمل الثقافة السينمائية العربية.
وكسابقِيه، انتمى علي أبو شادي إلى جيل النُقّاد الذين كوّنوا ثقافتهم، رؤاهم وبصيرتهم في فضاء أصيل بُني على أساس ما أنجزه كبار السينما العالمية والعربية، وأسهم في إضافة الكثير إلى السينما المُنجزة في البلاد العربية، ليس عبر القراءة المتسرّعة والسطحية أو الراوية لقصّة أو حدّوتة الفيلم فحسب، بل المُبحرة في كنه المُنجز السينمائي والمرافقة له بُغية الوصول إلى المشاهد في الصالة أولاً وبالأساس.
إنّهم، هؤلاء النُقّاد، يُشبهون الشعراء الذين كوّنوا ثقافتهم وهذّبوا أداتهم الشعرية عبر الإبحار بين آلاف صفحات الكتب والدواوين وليس عبر ما تنشره الصحف من قصائد أو نقد.
رعيلٌ أول من النقّاد السينمائيين الذين قاربوا بين القارئ -المشاهد والفيلم السينمائي، وعبّدوا الطريق أمام أكثر من جيل من النقّاد ومن السينمائيين في البلاد العربيّة.
كان علي أبو شادي، منذ البدء وعلى مدى السنين، واحداً من رؤوس المثلّث النقدي المصري الأشهر والذي ضمّ، بالإضافة إلية، سمير فريد وكمال رمزي. ولعب الثلاثة دوراً هاماً للغاية في التعريف بالفيلم المصري الجديد والمُجدّدْ بالدرجة الأساس، وفي التعريف أيضاً بالُمنْجَز السينمائي العربي والعالمي.
وإذا كان سمير فريد، وبفضل آصرته مع مهرجانات السينما في العالم وحضوره المواظب لتلك المهرجانات، قد وسّع من دائرة فعله ليشمل التعريف بالسينما العالمية وبمُنجز السينمائيين العرب خارج الحدود المصرية، فقد ركّز علي أبو شادي وكمال رمزي فعلهما بالدرجة الأساس، (كما يظهر جليّاً من مؤلّفاتهما) على الفيلم المصري، وذهب علي أبو شادي، أبعد من ذلك قليلاً في الإسهام الفعلي عبر وظائفه الرسمية أو المُناطة إليه، في إدارة وتحريك البنية التنظيمية والإدارية لعالم السينما في مصر. وتكفي مراجعة بسيطة لتلك الوظائف أو المهام لإدراك مقدار الجهد التنظيمي والإداري الذي كان يُخصّصه هذا الرجل من حياته من أجل السينما، مع الأخذ في الاعتبار مقدار تشكّل وتعقّد بعض من تلك المهام وصعوبة الإبحار فيها والذي كان يُشبه إبحاراً في بحر متلاطم الأمواج تجتاحه بين الحين والآخر عواصف ورعود مُرعبة.
وبصرف النظر عن مقدار الاقتراب أو الابتعاد الذي يشعر به العديد من السينمائين المصريّين من مُنجز علي أبو شادي على الصعيد الإداري، فإن الفراغ الذي تركه، بغيابه قبل أيّام لن يُعوّض، وسيظل السينمائيون العرب الذين يرتادون القاهرة ومصر ومهرجاناتهما يفتقدونه، كما يفتقدون سمير وفريد وغيره من الزملاء الذين غادرونا.
علي أبو شادي.. غياب عسير على التعويض..

نشر في: 19 فبراير, 2018: 12:01 ص