TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دوى صوتُ مفرقعة وضاعَ صوت كمان

دوى صوتُ مفرقعة وضاعَ صوت كمان

نشر في: 17 فبراير, 2018: 09:01 م

نفقد أملنا بمستقبل البلاد حين يكون عدد المساجد والحسينيات والمضايف أكثر من المدارس والمستشفيات، ونفقده أيضاً، حين يكون عدد الطلبة، الذين تركوا الدراسة والراسبين في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية أكثر من العابرين إلى المعاهد والجامعات، ونفقده كلما إذا امتلأت شوارعنا بالنفايات وليس بيننا من تأخذه الحمية على كنس عتبة داره، وسنظل نفقده كلما شهر أحدهم بندقية بوجه جيرانه، كلما ارتفع صوت الطالب على معلمه، كلما تفادى مدير دائرة أحد موظفيه، ولم يوجّه العقوبة التي يستحقها، لأنه ينتمي لأحد الأحزاب المسلحة.
وسنفقد الأمل ببناء بلادنا، ذلك لأن عدد رجال الدين والائمة والخطباء والمشايخ والمؤذنين والرواديد، بات يفوق عدد المدرسين والأطباء والمهندسين، وسيتأكد فقدنا له إذا علمنا بأن اليائسين من شفائهم في المستشفيات وعيادات الأطباء سيذهبون إلى العرّافين وفتاحي الفأل، سيعلقون آمالهم في الشفاء على الأضرحة، وتحت المنابر وبين الرايات، وسيكون مستقبل البلاد بيد المجهول إذا كانت سلة الغذاء العراقية تأتينا من خارج الحدود، ووقود سياراتنا من غير مصافينا، وأعلاف حيواناتنا – إن ظلت لدينا حيوانات- مما تطحنه رحى جيراننا، وسيكون كذلك إذا كنا غير قادرين على صناعة حفاظات لأطفالنا.
شوارعنا السالكة ذات الأرصفة النظامية أقل بكثير من شوارعنا المهجورة، بفعل الحفر والمطبّات والكلاب السائبة، مساكننا المشغولة بالمتجاوزين والعشوائيات أكثر من مساكننا الشرعية، واجهاتها النظيفة المصبوغة أقل بكثير من المشوّهة والمحكوكة منها، أسواقنا القذرة بباعتها الموتورين أكثر بكثير من أسواقنا بالمولات ذات الباعة البالشين بنا. ضباطنا وجنودنا الذين يحبون الوطن ويحلمون بمستقبله أقل بكثير من أقرانهم، من ذوي الولاءات الجهوية، ممن ينتظرون الراتب أكثر من انتظارهم للحظة قيامة العراق، التي لا تتم إلاّ على أيدي الشرفاء منهم، هل نقول إن عدد العسكريين الدمج بات يهدّد مستقبل العسكريين الحقيقيين؟ هل من حلم بمستقبل، في بلاد حالها كهذه؟
يسمّي اليابانيون وضع التلفون على الصامت بوضع الأخلاق، فيما يعد الصوت المرتفع والضحيج عندنا فحولة وبطولة، وتفاخر المرأة في العالم المتقدم بجمالها، فيما نراكم نحن على نسائنا بالمزيد من الثياب السود، يتعلم اطفال العالم الموسيقى في المدارس والبيوت ودور العبادة، فيما نعلم أطفالنا كيف يشجون رؤوسهم بالمُدى والسكاكين الطويلة، يسأل الأوربي عن الطعام إن كان نظيفاً وبسعرات أقل، فيما نسأل إن كان الطعام حلالاً ومذبوحاً على الطريقة الإسلامية. تخطط الحكومات في العالم لمستقبل ما بعد النفط، ويتفنن المسؤولون المحليون في كيفية جذب المستثمرين والنهوض بواقع السياحة، فيما تتفنن حكوماتنا في جعل حياتنا مرّة علقماً، فلا حديقة عامة ولا شارع نظيف ولا ساحل يعتنى له، مدننا خالية من المتع، البريء منها وغير البريء.
نفقد الأمل في مستقبل البلاد إذا كانت البنادق والأسلحة في البيوت العراقية أكثر من عدد الكتب والأقلام والمحابر، ونفقده إذا كانت الدشداشة واليشماغ والعقال وسيلة تهديد لا زيّاً يُحترم، ونفقده كلما ارتفعت راية الحزب والقبيلة على راية البلاد، وكلما دوى صوت مفرقعة وضاع صوت كمان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram