ما أن انتهيت من قراءتها حتى أدركت أن ما فيها يستوجب قول ما يكشف عن ثراء متنها , فهي أنيقة المظهر جميلة الجوهر , وكل ما فيها يحرّض على إثارة الاسئلة والملاحظات بصددها , فـ ( سقطت تفاحة ظني ) مجموعة شعرية كما أشهر جنسها منتجها عدنان علي الذي أقرأ له لأول مرة ــ وهذا قصور مني ــ ولكن هل هي إصداره الأول ؟ أم سبقتها إصدارات شقيقة ؟ ومتى ؟ وستتضح الكثير من الدلالات من خلال هذا المرتسم الذي وضعته والذي يبيّن تواريخ إنتاج نصوصها .
إذاً فهل ( سقطت تفاحة ظني ) هي حصيلة كل ما أنتجه شاعرها ؟ أم هي نصوص منتقاة من بين ما كتبه وقدمها كنماذج أثيرة في نفسه لكي يضعها في متناول القراءة والجدل المنتج ؟ لكن المدهش أن عدنان علي ذيّل نصه الوحيد مكتمل بخرابي بزمان ومكان انتاجه ( 20/5/1996 ــ ليبيا ــ أوباري ) وترك بقية نصوص المجموعة بلا توثيق مكاني كما فعلها مع مكتمل بخرابي . فهل أراد بذلك أن يشير الى بداياته الشعرية ؟ أنا شخصياً لا أظن ذلك , لسبب جوهري وهو إن هذا النص فيه من الشعر والمهارة ما يكشف عن أنه ليس من بدايات الشاعر , ويختار بعد خمس سنوات نصاً واحداً هو ( لغة السراب ) ليضمه الى المجموعة , في حين يلمس القارئ أن ذروة الانتاج الشعري تتصاعد في سنة 2011 , فينشر تسعة عشر نصاً , ويستمر تذبب تواريخ الانتاج الذي تنتهي بنصين في سنة 2015 , رغم أن المجموعة صادرة في أواخر سنة 2017 , بمعنى آخر إن الشاعر عدنان علي لم يكن مهتماً بنشر ما ينتجه بدليل صدور هذه المجموعة في هذا التاريخ المدون على غلافها الداخلي ...
على أية حال إن ( سقطت تفاحة ظني ) وليست تفاحة نيوتن , مجموعة نصوص تمتلك قدرتها في حضور القراءة في المشهد الشعري الملتبس وإثارة العديد من الاسئلة والملاحظات , وهي في مجملها تؤكد على أن العراق يظل ديوان الشعر العربي بنماذجه المتقدمة والمشرقة , التي تضعه في الصدارة على الدوام , وما هذه المجموعة إلا إحدى فرائد السلسلة الذهبية في جيد شعرنا الراهن , ولابد من التنويه أن النصوص الـ (39 ) التي ضمتها ( سقطت تفاحة ظني ) تتماثل في سلامة لغتها وجمال صورها وانسانية مضامينها فهي لشاعر عراقي اكتوى بنار الحروب والحصارات والمنافي والحرمانات على امتداد تأريخه الطويل , ولا ميزة لنص على نص آخر إلا بما يثيره في النفس من مواجع , وهذا ما يؤكده نص ( فراشات الموت ) ص 75 والذي يؤرخ فيه عدنان علي لواحدة من عدوانات الأشرار على وطننا الجميل.
نلاحظ هنا حجم السخرية في هذا النص فالغارات شنتها فراشات أميركية , كانت ( تنث عطوراً ) و ( موسيقى هادئة ) ... لم تخطئ مرعى أو حقلاً زهوراً ... وتتصاعد سخرية الشاعر بقوله ( لم تفزع طفلاً ) أو ( تهرس عذراء ) وتلك هي قدرة المبدع في توصيف الوقائع التي تشير الى همجية الآخر واستهدافه لكل ما هو جميل في هذا البلد المبتلى , لكنه أي الشاعر كان يرى بحدسه و وعيه وصدق انتمائه لعراقه غير ما يراه المرجفون والعدوانيون : ( في العتمة يخضّر الدود / و أسود عفنة تزأر / وحماقات عابرة / من ماض موحش ) في هذا المقطع لخص عدنان علي جوهر أشكالية العداء لهذا الوطن المتراكم من أزل الدهور الموحشة وضغائن الماضي الأسود ...
ســـقطت تفاحـــة ظـــني..إثارة الكثير من الاسئلة

نشر في: 15 فبراير, 2018: 12:01 ص