في مواجهة الوحشية والقسوة تُقدّم عادة اقتراحات لا تقل عنها وحشية وقسوة. هناك دائماً المثل القديم، قِدم الإنسان: العين بالعين. السن بالسن. النتيجة تعرفها البشرية، وقد خبرتها على مر تاريخها: الحرب. والأمر لا يختلف، سواء تعلق بغرض الرد على الإرهابيين أو بالرد على الأعداء. فالوصية الإنجيلية القديمة، إدارة الخد الأيسر، أيضاً في حالة ضرب الخد الأيمن، تكف في كل الحالات، لأن ليس هناك اليوم طرف ما في العالم، يعتقد بالفعل، أن التغاضي عن هجوم الآخر وإجابته بالوسائل السلمية، سيقود الى إيقاف الحرب. على أية حال، لم يجرب أحد في زماننا هذه الفرضية السلمية، وإن حاول تجريبها، فبطريقة أخرى، لا تخلو أحياناً من المفارقة!
أحد هؤلاء، الذين يحاولون الإجابة عن هذا السؤال بطريقة عملية، والذي كثر الطلب عليه في السنوات الأخيرة لما يتمتع به من خبرة "ما فوق توراتية"، أحد من المستحيل نعته بالرومانسية أو بالميوعة الجنسية، هو بروس هوفمان، الخبير بمقاومة الإرهاب، والمحلل في المؤسسة الأميركية الذي تستشيره الحكومة الأميركية منذ حوادث 11 سبتمبر بما يتعلق بالإجراءات الستراتيجية الدفاعية التي عليها اللجوء إليها من أجل مكافحة الإرهاب بصورة أكثر فعالية. هذا الشخص بالذات يحكي لنا قصة مهمة ذات مغزى وإن حوت على جانب من الطرافة في آخر أعداد مجلة أتلانتيك مونثلي، قصة ينبغي التمعن فيها بصورة جدية.
قبل أعوام، حسب ما يروي هوفمان، وقبل أن تطبق حماس بكماشتها على غزة، كان الرجل في زيارة لقطاع غزة بضيافة الحكومة الفلسطينية التي إنتهت فترة حكمها، وهناك التقى بقائد فلسطيني صاحب منصب عال في منظمة فتح التي شكلت تلك الحكومة. وكالعادة في كل لقاء (الحديث لهوفمان)، يتحدث المرء عن هذا الأمر أو ذاك، لكن الرجل سمع هذه المرة، في نهاية الحديث، قصة أراد القائد الفلسطيني أن يستفيد الخبير الأميركي منها، قصة تتعلق بالطريقة التي استطاعت بواسطتها منظمة التحرير الفلسطينية تصفية واحدة من منظماتها تلك التي كانت أشد إرهابية ذات يوم، "منظمة أيلول الأسود"، المنظمة التي أثارت الرعب والذعر لزمن ليس بقصير، تلك المنظمة التي كانت مسؤولة عن أكثر من عملية إرهابية واغتيال، في أوروبا، وفي الدول العربية، والتي لم يذهب ضحيتها عشرات الأبرياء فقط، إنما كانت هي المنظمة الإرهابية بالذات التي منحت بكل ما قامت به ملامح لما يجب أن يكون عليه وجه الإرهاب المعاصر.
في أواسط السبعينيات (القصة لهوفمان) عرف الفلسطينيون أن المنظمة أنجزت الواجب الذي أُريد لها، وأن أي عملية جديدة لن تحمل أي مغزى سياسياً، بل ستلحق أضراراً بمنظمة التحرير الفلسطينية. ما العمل إذن؟ حل الفزورة (حسب طبخة القائد الفلسطيني): بعد مشاورات مكثفة مع رئيس أمن الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات آنذاك، أبو أياد، سافر مبعوثون فلسطينيون، طافوا البلدان العربية، حيث تعيش أكبر الجاليات الفلسطينية، بحثاً عن مئات من الفتيات الفلسطينيات الجميلات ليقولوا لهن في النهاية: إن الوطن بحاجة لكنَّ. عاد المبعوثون ومعهم الفتيات الى بيروت، حيث نُظمت من قبل المنظمة حفلات كبيرة عديدة للعزاب، لكل إرهابيّي منظمة أيلول الأسود. ولتنظروا بأنفسكم، كما يقول: وقع العديد من الشباب اليائسين هؤلاء بحب الفتيات. ولأن علاقات الحب تلك كان عليها أن تتطور الى علاقة ثابتة طويلة الأمد، عرضت منظمة التحرير الفلسطينية مغريات إضافية أخرى: كل عازب يتزوج من إحدى الفتيات تلك يحصل على 3000 دولار، وشقة سكنية بتدفئة غازية، وثلاجة وتلفزيون، وبعد سنة عند ولادة الطفل الأول، سيحصل على 5000 دولار إضافي."وعلى هذا المنوال"، يختصر القائد الفلسطيني أمام بورس هوفمان، "شطّبنا بسرعة فائقة على منظمة أيلول الأسود وصفّينا الإرهاب الذي كان يحدث بإسمنا. علاج الإرهاب حباً، تلك هي الحكمة التي تعلمها الخبير الأميركي من القائد الفلسطيني. فهل تراه ستنجح إذا طبقناها على بقايا الإرهابيين في العالم وفي كل مكان؟
مكافحة الإرهاب جنسياً
[post-views]
نشر في: 13 فبراير, 2018: 09:01 م