TOP

جريدة المدى > عام > بمناسبة تتويجه في مهرجان قرطاج المسرحي..صــلاح القـصــب ومـســرح الصـــورة

بمناسبة تتويجه في مهرجان قرطاج المسرحي..صــلاح القـصــب ومـســرح الصـــورة

نشر في: 13 فبراير, 2018: 12:01 ص

أثارت تجربة الفنان صلاح القصب في مسرح الصورة الاهتمام من جديد وعلى نطاق واسع ، بعد فوزه متوجاً بمهرجان قرطاج الاخير كأفضل فنان ومخرج مسرحي . ويبدو بأن مثل هذه الأحداث الكبيرة غير كافية لإثارة الانتباه بين أفراد الوسط الفني بالعراق . وكان القصب فرحاً وسعيداً _ هكذا وجدته في مؤسسة ، المدى _ لكنه تحدث بحزن وألم عن تجاهل هذا الحدث الفني في العراق .

فأقرحت عليه الاحتفاء به في اتحاد الادباء والكتاب في بغداد، وعبر عن سعادته وشكره واعجابه بما وصل إليه الاتحاد في تميز وغنى في الفعاليات وتنوعها، وأبدى الصديق الناقد علاء المفرجي سعادته لهذا المقترح. وفي حينها اتصلت بالدكتور صلاح الصحن وصباح السراج واخبرتهما بضرورة أن يكون يوم الثلاثاء القادم موعداً للاحتفال وإلتزمت باعداد ما هو مطلوب من تحضيرات. وفعلاً كان القصب سعيداً للغاية مساء يوم 9/1/2018الثلاثاء وسط حشد كبير من الأدباء والفنانين واعداد كبيرة من الاساتذة الذين كانوا طلبة له والمثير في حديث القصب عن تجربته الإشارة لبدايات مسرح الصورة من خلال تجربتي مع كل من طه سالم وسامي عبد الحميد. واغفل تماماً تجربة الفنان المعروف حميد محمد جواد. وقد أشار الفنان ثائر هادي جبارة لذلك في بحثه " الاساليب الاخراجية في العرض المسرحي، وتحديداً في الفصل الخاص بالرؤى الاخراجية في العروض المسرحية " الى دور حميد محمد جواد في مسرح الصورة وإن لم يشر للتفاصيل، بل اكتفى بذكر فضاءات مسرح الصورة / حوار مع الفنان حميد محمد جواد، اجراه عبد الخالق المختار / ولم يسهب كثيراً، لكنه اكتفى بالاشارة الى أن الفنان صلاح القصب باعتباره مشاركاً معه بإنبثاق مسرح الصورة لأول مرة بالعراق وقال ( هذا الأسلوب الوحيد الذي انبثق من فكر عراقي ورفد الاساليب الباقية نتاجاً عراقياً، فهو اسلوب قصد احلال الصورة المسرحية بدل الكلمة وتفضيل ما هو مرئي على ما هو مسموع معتقداً على غرار أرتو إن الكلمة المنطوقة لم تعد تصلح بوصفها أداة تعبير فني وأسس لهذا الأسلوب مسرحيان عراقيان هما حميد محمد جواد وصلاح القصب.
الارتباك واضح في تعبيرات الاستاذ حميد محمد جواد، وتعامل مع مسرح الصورة بوصفه مسرحاً مرئياً والخلط واضح، لأن المسرح الآخر هو مرئي ومسموع. هذا يعني عدم دقة الرؤية الاخراجية، وأنا اعتقد بأن الفنان حميد محمد جواد اكثر وعياً وادراكاً لما يعنيه مسرح الصورة، لانه مطلع على تصورات وافكار أرتو عندما ذهب الى فرنسا. لاكمال دراسته هناك. وأشار الى أن مسرح القسوة لارتو لا يلجأ الى تكرار الكلام أو الحوار إلا مرة واحدة ويبذل جهداً معلوماً لالغاء التكرار، واعترف بأن ما قيل لا ينبغي أن يقال ثانية وإن قيمة أي عبارة ألا تتكرر مرتين وتحيا مرتين وإن كل كلمة ينطق بها تموت. بمعنى المفردة تستنفذ طاقتهما لحظة تكررها وتفقد طاقتها على توليد المعنى أو الدلالة، وهذا أمر فيه مغالاة وغير صحيح، لأن الفنان الذي يختار المفردة، يعرف جيداً موقعها في النص أثناء العرض، وبعض المفردات تحوز شعرية من تنوعات الدلالة عندما تتكرر والدليل على ذلك ما ينطوي عليه الشعر الشعبي، وخصوصاً الابوذية والمواويل. لكن الكلام الذي ذكره حميد محمد جواد يتمظهر عن الاستهلاك الذي تتعرض له المفردة عندما تتكرر أكثر من مرة.
أضاف الاستاذ حميد محمد جواد مؤكداً على أن الثورة الحقيقية ضد اللفظ من مقترحات الفنان أرتو إذ يقول عن مسرح الصورة : انه في مخيلتي وفي تصوراتي، وهو ليس فعل فسيولوجي وتمتمات صوتية وإنما قدرة تحليلية لخلق صورة ميتافيزيقية تقترب من الصورة في الشعر، وعمل المخيلة في هذه الحالة عمل فريد من نوعه، وهي ليست مخيلة ترددية للواقع وانما ابداعية.
المخيلة التي تشتغل على مسرح الصورة ذات قدرات استثنائية خاصة وكل الافكار الخاصة بالمسرح والتصورات محفوظة في مخيلته، بمعنى المخيلة الخاصة بالفنان حميد محمد جواد، منتج لرؤية إخراجية، جاهزة وواضحة بالنسبة له، وتصوراته ليست أفعال فسيولوجية وأصوات مفهومة أو غير معلومة، وإنما هي كما قال حميد محمد جواد بانها قدرة تحليلية الخلق صورة ميتافيزيقية تقترب من الشعر، والمثير تعامل حميد محمد جواد مع الشعر بصفته تعبيراً ميتافيزيقياً وهذا الرأي جازم وكلي، لكن الحضور الميتافيزيقي بالشعر معروف في تجارب عالمية عديدة وخصوصاً المعروفة بانشغالها الفلسفي أمثال شوبنهور / نيتشة / هولدرن / تراكل / هايدجر.
ولم يوضح الفنان حميد محمد جواد كيفية فرادة عمل المخيلة لكنه رأي مهم لأنه تعامل مع عمل المخيلة بوصفه نتاجاً ابداعياً وليس تكراراً، بل هو في مصاف الإبداع الحقيقي.
تحفظ حميد محمد جواد على مصطلح مسرح الصورة وأشار الى الخطأ الذي وقع فيه صلاح القصب بسبب عدم دقة المصطلح المشاع في الستينيات عندما كان القصب طالباً لدى حميد محمد جواد وأشار عدم دقة مسرح الصورة. واقترح له مصطلحاً هو " المسرح الشاعري الصوري " فالكلمة هي الإشارة الى شيء ما، فاللفظة ليس لديها القدرة على التغلغل الى أعماق الظاهرة ولا الى الحالة الانسانية. واللقطة لا تخاطب الحواس بقدر ما تخاطب الذهن الانساني، فالاعشاب الخضراء، جملة قاصرة عن نقل رائحة العشب، اضوائه، جماليته / عبد الخالق المختار / سبق ذكره / واضح بأن حميد محمد جواد أكثر معرفة بالعلاقة بين الجسد والفلسفة وهو لا يذهب بعيداً عن الجسد، لأنه مركز هذه التجربة المسرحية الجديدة. لكن الكلمة لا تستطيع الوصول الى صلب الظاهرة الانسانية. ولفظة العشب مثلاً، ليست كافية لتقديم كل ما له صلة بالعشب، شكله رائحته لحظة اليباس والبلل.
اقترب القصب من تجربته عندما جعل من الحلم مكوناً جوهرياً في تجربته المسرحية، وأنا اعتقد بأن مفردة الحلم تعويض لما هو متجاور معه، وأعني به الاسطورة، والغرائبيات والتشوشات التي أشار لها حميد محمد جواد وأكد بأن الشخصيات لديه تقترب الى النزعة الميثولوجية، الشخصية اسطورية، تفتقر الى جذرها الواقعي فهي لا تمثل أبعاداً نفسية واجتماعية، وليست شبيهة بالتقمص عند ستانسلافكي ولا عند بريخت. إن الممثل في مسرح الصورة أفكار كونية عميقة، عمقها الكون والإنسان عبر التاريخ فهو الإنسان في هذه الارض المتجذرة في الواقع للوصول الى عوالم الواقع / ثائر هادي جبارة / سبق ذكره / ص 34//
لا يتنافر مسرح الصورة مع ما يأتيه من الخارج من صور كثيرة، فوتوغرافيا / أفلام سينمائية، انه يستوعب كل ما له علاقة في سرديات الصورة وقيمتها والانكشافات النائمة / الثاوية فيها. هذا بالاضافة لما ينتجه الجسد ويساهم ببلورته وصياغته مجموعة من الصور التي تكونها الأجساد التي تلعب دوراً جوهرياً في هذه التجربة الفنية ذات الهوية العراقية. وأنا أعتقد بالدور البارز والبؤري للجسد الذي بقدراته وطاقته الخفية قادر على تعويض السينوغرافية الغائبة. فالصورة التي ترشح عن الاجساد تكفي لملء فراغ المسرح ومن هنا تتداخل مكونات الأجساد.
علامات، رموز، إشارات لتشغل فضاء المسرح وتكون السينوغرافيا بالاضافة الى أنه قادر على ابتكار التنوعات التي تفضي لما يساعد الحضور للصورة وتشارك بخلق حالة التوتر والارتعاش الذي يتبدى متماثلاً لمؤثرات المخدر والهلوسة التي ينتجها والتي يقول عليها كثيراً في المسرح الآرتوي الموظف للنباتات المخدرة والمانحة للجسد طاقته والمفجرة للقسوة الكامنة فيه.
نعم يهمنا ما قاله الفنان صلاح القصب وسامي عبد الحميد وحميد محمد جواد لكننا ندرك جيداً بأن مثل هذه التجربة، لا تكف عن ابتكار الآراء والتوصلات الممنوحة لها من التخيلات الكثيرة، لأن الممثل لا تتعطل تخيلاته، بل تتدفق كالنهر، لأن المخرج عارف بالطاقة التي يتوفر عليها الممثل، إنه لا يشبه غيره، يكاد ينبوعاً للتحول والمغايرة في كل لحظة وهو على المسرح. لذا أنا اعتقد بأن الصعوبة والعقدة الكبيرة التي تواجه هذا النوع من المسرح هي الممثل، ومتى ما توفر الممثل المثقف، القادر على فهم واستيعاب ملاحظات المخرج وتطويع جسده في الرقص وتقمص أدوار غابت منذ عتبات الحضارة القديمة، وتضاءل حضورها الديني / المعبدي المقدس.
وما دام الممثل هو العنصر الأبرز والأكثر حضوراً، وقدرة على استيعاب وعرض ما هو مطلوب منه، يجب منحه الفرصة المساعدة له كي يتمظهر بغير ما هو عليه حياتنا والاستفادة من كل ما موجود حتى يتبدّى هكذا ولابد من عبوره لما يوفر له النشوة العالية وتمنحه الحذر، ليساعد ذاكرة المتلقي على أن تتخيل ما كان عليه الانسان في فجر الحضارة ودور السحر في رسم وتأطير الحدود المطلوبة معبدياً. المخرج وحده لا يكفي الظفر بعرض ممتاز، بل لابد من وجود ممثل خاص جداً للصورة.
ومثل هذا الممثل هو المثير للشغب المختلف أو المتوافق مع سيد العرض. كذلك اعتقد بأهمية الحرية القصوى وتوفيرها للممثل الذي أعنيه، لانه مُخلِق العرض.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram