TOP

جريدة المدى > عام > غواية القراءة: إعادة التفكير في مسألة الحياة: ما فائدة أن نسأل؟

غواية القراءة: إعادة التفكير في مسألة الحياة: ما فائدة أن نسأل؟

نشر في: 10 فبراير, 2018: 04:30 م

|       11       |

الأمر الوحيد الذي أندم عليه، هو أنني لم أستطع قراءة كل الكتب التي أتمنى قراءتها.

فرانسواز ساغان

"الكلمات هي وسيلتي لإنجاز رحلتي من الغابة المظلمة الى السماء السابعة.. وكنت في كل مرة كنت أسأل:"ما الحياة"؟ فيكون الجواب: حل السؤال يكمن في صياغته؟".كانت هذه العبارة قد كتبها دانتي في مقدمة ملحمته الشهيرة الكوميديا الالهية. وانا طالب في المرحلة المتوسطة، كنت أحاول أن أقفز بخفة فوق الأفكار. أقرأ الكثير من الكتب الصغيرة والمجلات وأتوهم نفسي إنني أعرف أشياء مهمة، وبالنسبة لفتى مراهق كانت تدور برأسه أسئلة معينة عن معنى الحياة؟ بعد ذلك قرأت هذه العبارة الجميلة لجان جاك روسو عن الحياة، والذي يحدد روسو فيها ميزة الإنسان في هذه الحياة، بإمكانية التحسن أو كما أخبرنا تشارلز داروين فيما بعد بقدرته على التطور، وعند روسو إن ميزة الإنسان في قدرته على انتزاع النفس من وضعها الخاص،، لكي تبلغ درجة من الكمال.
في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة تسلمه جائزة نوبل عام 2001، يصف لنا الروائي"فيديادر نايبول"بشكل رائع تجربته في طرح سؤال ما الحياة؟، وكيف اكتشف المنافع التي يمكن أن تحملها القراءة، ليس فقط في تنمية الوعي، ولكن بشكل أعمق في قيادة حياة إنسانية.في هذا النص يروي نايبول قصة طفولته في جزيرة"ترينيداد"ويأتي على ذكر القيود المرتبطة بحياة الطوائف الصغيرة والمنغلقة:"نحن المهاجرين من الهند،كنا نحيا حياة مقيدة بطقوس، ولم نكن بعد قادرين على تقييم أنفسنا وهو أمر ضروري من أجل البدء بالتعلم، في ترينيداد حيث كنا نشكل، كوافدين جدد طائفة محرومة، كانت فكرة التهميش هذه نوعاً من الحماية تسمح لنا لفترة وجيزة أن نعيش على طريقتنا الخاصة، ووفق قواعدنا الخاصة.كنا نمرر الأيام كان العالم الخارجي موجوداً في شكل من أشكال الظلمة، ولم نكن نتساءل عن أي شيء".ويشرح"نايبول"كيف صارت مناطق الظلمات، تلك منذ أن أصبح قارئاً، أي كل الذي كان موجوداً في الجزيرة والذي لم يكن يراه بسبب انطوائه على نفسه، استطاعت الكتب أن تساعده كانسان على توسيع الأفق والإطاحة بمناطق الظلمات.
يكتب الفيلسوف الروماني سينيكا إن الحياة الأكثر سعادة هي أن تعيش مع الكتب. آمن الفلاسفة القدماء إن باستطاعة الكتب أن تمدنا بالسعادة، وتتيح لنا التحكم بالسعادة، وتتيح لنا الكتب التحكم بأهوائنا وتصحيح الأفكار المغلوطة، فالكتاب يقودنا الى علاقة متوازنة مع الحياة.
في عام 1571، اعتزل المفكر والفيلسوف الفرنسي ميشال دي مونتاني، الناس والحياة العامة والنشاط السياسي ملتجئاً الى مكتبته، كان آنذاك في الثامنة والثلاثين من عمره، هناك راح يقرأ ويفكر:"ليس ثمة أجمل من القراءة والتفكير، لزيادة معرفتنا، وانتشال ارواحنا من الظلمة".
كان مونتاني يعيش في الريف الفرنسي في بيت أشبه بالقلعة اشتراه جده من عمله في التجارة، في هذا البيت فتح عينيه على مكتبة كبيرة تضم أكثر من ألف مجلد في الفلسفة والشعر والتاريخ، قرأ وهو شاب صغير ما كتبه أبيقور عن الحياة والحب، واستمتع بمحاورة سقراط عن العدالة، ويكتب آلان بوتون في كتابه"عزاءات الفلسفة"إن:"مونتاني في سن الثامنة قرأ كتاب مسخ الكائنات لأوفيد، وفي سن السادسة عشرة حفظ الالياذة والانياذة و كانت القراءة مصدر تعزيته في عزلته كانت تريحه ويمكنها في أي وقت أن تخلصه من الرفاق المملين، الالتجاء الى الكتب هو كل ما كان يحتاج اليه كي أطرد الافكار الكئيبة".
عندما بلغ برتراند رسل الفيلسوف الانكليزي المعروف الخامسة عشرة من عمره، وقع تحت تأثير كاتبين، الاول مونتاني والثاني الروسي نيقولاي غوغول، كان أحد أعمامه قد أهدى اليه كتاب"المقالات"لمونتاني، وهو الكتاب الذي تفرغ له مؤلفه أكثر من عشرين عاماً، ولم يكتب غيره طوال حياته، لكنه أصبح واحداً من المؤلفات الاساسية في الفكر الانساني حيث وجد فيه معظم فلاسفة القرن العشرين، كتابا بالغ الاهمية عن حرية الانسان، حيث نجد مونتاني يتنقل بين موضوعات الحرية والسعادة والصداقة والحب والعدالة والحرب والسلم والتسامح والتربية وفلسفة الطبيعة، ليثبت أن الانسان حر على رغم كل شيء.:"أشياء كثيرة لم أكن مهتماً بالبوح بها لأي شخص بذاته، أصبحت أبوح بها للجميع، ولمن يود معرفة أشد أفكاري سرية، بدأت أحيل أعز أصدقائي الى رف المكتبة".
يكتب رسل إن مونتاني من خلال كتابة المقالات عبّر عن جوهر أفكارنا بوضوح ودقة سيكولوجية لايمكن مضاهاتها:"إنه يعرفنا أفضل مما نعرف انفسنا".
اما غوغول فقد اصاب رسل في حالة من القلق عندما انتهى من قراءة النفوس الميتة، وكان هذا القلق سبباً في محاولته التعبير عن أفكاره من خلال الكتابة. ويخبرنا في كتابه"ما وراء المعنى والخيال"إن مثل هذه الكتب لعبت دوراً خطيراً في تكوينه العقلي، إذ إنها ألهمته ومنحته شجاعة وحرية في التعبير عن خواطره. فضلاً عن إنها طمأنته على سلامة عقله"
كان برتراند رسل في شبابه يهتم بقراءة الرواية والشعر والفلسفة، وفي نفس الوقت كانت تسيطر عليه رغبة كبيرة في فهم العالم عن طريق دراسة الرياضيات والعلوم.وقد سمحت له مكتبة الأسرة بقراءة العديد من الكتب الكلاسيكية، قرأ شكسبير وبيرون وملتون ودانتي، وبهرته موهبة غوغول في السخرية ويكتب في يومياته:"لم يكن اعجابي بقصص غوغول في بادئ الامر يرجع الى ما أظهره هذا الكاتب من تمرد اجتماعي وسياسي، بل كان اعجاباً بقدرته على السخرية، جعلته يكشف الزيف والنفاق الاجتماعي، ولأنه رفض الافكار التقليدية التي لاتستند الى دليل معقول".

*******

إن الذين يقرؤون فقط هم الأحرار، وذلك لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما من ألد أعداء الحرية.

توماس جفرسون

في أواخر كانون الاول من سنة 1825 يصل الى العاصمة الروسية بطرسبورغ، شاب في العشرين من عمره صاحب اسم طويل"نيقولاي فاسيليفيش يانوفيسكي غوغول"قادماً من اوكرانيا مخلفاً وراءه أمّه الأرملة وأربع شقيقات،عندما وصل العاصمة ليلاً لم يكن يملك غير كمية قليلة جداً من النقود، وعدد من الرسائل الى بعض المعارف لمساعدته، وشهادة دبلوم حصل عليها بعد أن أمضى ثمانية سنين في مدرسة داخلية، وكان يحتفظ بين ملابسه بمسودة لقصائد كان قد كتبها واحتفظ بها لنفسه.
كان سبب وجوده في العاصمة هو الحصول على وظيفة، وقد تحقق له هذا الأمر بعد عام، حيث عين في وزارة العدل، إلا أن خيبة الأمل ظلت تطارده فلم يكمل في الوظيفة سوى خمسة عشر شهراً، ليقرر التفرغ للأدب، فنشر عام 1827 كتاباه الاول وكان عبارة عن قصيدة طويلة بعنوان"هانز كو كلخارتن"طبعها بعد أن استدان من والدته ثلثمائة روبل، ولم تحظ القصيدة بالإهتمام، حيث بيعت منها ثلاث نسخ فقط، مما اضطره الى إحراق النسخ المتبقية، ليقرر بعدها السفر، يكتب في يومياته:"سأترك البيت والوطن وأذهب الى بلاد اجنبية فريداً حاجاً يبحث عن طريقة للوصول إلى معبد مجهول، ومذبح سري أود تقديم نفسي أضحية له".
يعود من رحلته القصيرة الى بطرسبورغ ثانية، ليعمل مدرساً في مدرسة للبنات بعدها عُين أستاذاً مساعداً في معهد للتاريخ، قدم خلالها محاضرات عن التاريخ الاجتماعي لاوكرانيا.
بعد عامين من فشل قصيدته الطويلة ينشر مجموعته القصصية"أمسيات قرب قرية ديكانكا"التي نالت نجاحاً كبيراً، وحين سُئل عن سبب كتابة هذه القصص أجاب بانه وجد نفسه بانه بحاجة إلى المال بشكل رئيسي، وإنه رأى الكتابة وسيلة لدعم دخله. لكنه يعترف بعد ذلك إن الجانب الافضل من حياته انذاك هو تلك الساعات التي كان يقضيها مع شخصياته الخيالية:"وسط بقائي وحيداً في سانت بطرسبورغ الباردة الكئيبة، كان الإسترسال في إعادة خلق أرض أوكرانيا الغنية التي تستحم بالشمس، وتصوير الفلاحين الكسالى، ينسجم مع حاجات روحية، كنت معرضاً لنوبات انقباض لم أكن قادرا على تفسيرها حتى لنفسي والتي ربما كانت ناجمة في الأساس عن سوء حالتي الصحية. ولكي أصرف تفكيري عن هذا الوضع أخذت أتخيل كل أنماط القصص الهزلية التي يمكن تخيلها".
يكتب لأمه في شباط عام 1832:"عنوني رسائلك إليّ في المستقبل باسم غوغول فقط، إذ أن الجزء الثاني من اسم عائلتنا ضاع في مكان ما على الطريق".
بعد أربع سنوات تُقدم له مسرحيته الشهيرة"المفتش العام"والتي ماتزال تعد أعظم كوميديا كتبت بالروسية، والتي لم تترك خشبات المسارح منذ تقديمها للمرة الاولى عام 1936 وحتى أيامنا هذه.
بعد ذلك يُخبِر الشاعر بوشكين بأنه سيكرس نفسه لعمل كبير يخلده:"نفوس ميتة موضوع مثالي يناسبني لأنه سيمكنني من السفر مع بطلي في أرجاء روسيا طولاً وعرضاً، وإبتداع عدد هائل من الشخصيات".
كتب الفصول الثلاثة الأولى من الرواية قبل تركه روسيا، حيث سافر ومعه المخطوطة الى ألمانيا وجنيف ثم باريس وروما، في رحلة أعتبرها هو بمثابة النفي الطوعي عن البلاد. عام 1842 نشرت النفوس الميتة، وكان غوغول في الثالثة والثلاثين من عمره.، في تلك السنوات سيطرت عليه فكرة انه مكلف بابلاغ رسالة الى الشعب الروسي هدفها إعادة بناء الكيان الاخلاقي لروسيا بأسرها. أن يكشف للقارئ، طبيعة الإنسان الروسي في مجمله، الإنسان الروسي في مزاياه وضروب تراثه الأخلاقي.
بطل النفوس الميتة تشيتشيكوف، تجسيد للشيطان نفسه. فهو تاجر يقرر ذات يوم أن يتحول من مالك أراضٍ. الى مشترٍ لجثث أرقاء من أهلها. لماذا؟ لأنه يريد أن يستفيد من إجراء رسمي يتيح له أن يقترض من المصارف أموالاً يكون حجمها على عدد ما عنده من أرقاء. لذلك فإن ما يشتريه، انما هم الأرقاء الذين ماتوا ودفنهم أسيادهم، من دون أن يسجَّلوا في الإحصاءات الرسمية. بالنسبة الى الدولة هؤلاء الأرقاء لا يزالون أحياء. لذا ليس عليه إلا أن يراكم جثثهم، ويقدم البيانات الى الدولة فيحصل على الأموال التي يريدها.
يقدم لنا غوغول صورة للمحتال الذي لايتوقف عن خداع الناس، إنه شيطان وانسان في آن معاً، فتشيشيكوف كما يخبرنا غوغول:"ليس وسيماً ولا هو قبيح، ليس بديناً ولا هو نحيل، لايمكن للمرء أن يسميه عجوزاً، ولكنه ليس في مقتبل الشباب". بزيادة مخزونه من الجثث يزدهر تفاؤل تشيشيكوف بالثروة. ونراه يقرر أن يأخذ كل هذه الاشباح من الجثث التي اصبحت ملكاً له ويدعي الانتقال بها إلى بقعة في الصحراء يشتريها بمبلغ ضئيل من المال وسيطلق على قريته غير الموجودة في الواقع اسم"تشييشيكوفا"، وهو واثق بانه لن يواجه صعوبة في رهن قطعة الأرض هذه لدى بنك الدولة، وبذلك يحصد الثروة.
يكتب غوغول في الفصل الأول من الرواية، أن تشيشيكوف يحلم بحياة مرفهة، عربات، خيول، بيت كبير وخدم، مآدب فاخرة، إنه يسعى الى تذوق الغنى والمال الى حد التخمة.، ولهذا نجده ينفي وجود خير مطلق أو شر مطلق، وهو لايتردد لحظة واحدة في التفوه بأية كذبة ما دامت تخدم مصالحه، وهو يفكر طوال اليوم بالمال:"ماذا سيقول أبنائي عني؟ سيقولون أبونا الخنزير لم يترك لنا مالاً قط". هكذا يبرر تشيشيكوف حصوله على النفوس الميتة
يكتب هنري ترويا في كتابه"سيرة نفوس ممزقة"ان هذا الكتاب هو:"كتاب عصي على تحديد هويته وتصنيفه على رف معين في مكتبة ما. فتحت هالته الشريرة يمارس الكتاب سلطته من منزلة عليا في الأدب فيما بين دون كيشوت والكوميديا الالهية".
ما أن صدرت النفوس الميتة حتى كتب عنها الناقد الشهير بيلنسكي باعتبارها عملا فنياً خالداً:"غوغول،بابداعه هذا العمل الادبي، قد خطا خطوة عظيمة لدرجة أن كل ما كتب وأبدع قبله يبدو هزيلاً وباهتاً بالمقارنة مع هذا المؤلف".
ما أن انتهى غوغول من نشر الجزء الأول من نفوس مينة، حتى استعد لكتابة الجزء الثاني، وقد جرت كتابة هذا الجزء وغوغول يعاني من أزمة نفسية بسبب التغيرات التي يراها تمر في المجتمع الروسي. ولهذا يحاول في الجزء الجديد أن يقدم للقراء أحد ملاك الارض الطيبيبن، هدفه ليس الحصول على الثروة وإنما الاهتمام بالفلاحين وبرفاهية البلاد الروسية، ويتراجع غوغول عن نقد الطبقة الاقطاعية ويجد المقربون منه إنه وقع في ظلمات الغيبيات ومتاهاتها ويكتب الناقد الشهير تشيرتيفيسكي"إن غوغول استطاع رغماً عن كل حالات الضياع في السنوات الأخيرة الاحتفاظ بجانب كبير من احتجاجه ومن حقده على مجتمع الظلم والاستبداد".
وتحت تأثير النقد يقدم غوغول على حرق ما كتبه، ثم يعود ثانية للكتابة ليبلغ المقربين منه عام 1850 إنه انهى المجلد الثاني من الرواية، لكن قبل عشرة أيام من وفاته وفي ليلة الثاني عشر من شباط عام 1852 أحرق غوغول هذه النسخة الجديدة أيضاً. ولم يجدوا بعد وفاته سوى خمسة فصول مخطوطة.
في الرابع من آذار عام 1852 يتوفى غوغول ويكتب تورجنيف في رثائه:"غوغول مات، فأي روح روسية لم تصدمها هاتان الكلمتان. خسارتنا قاسية ومؤلمة ومفاجئة جداً بحيث إننا لانستطيع تقبلها بعد. لقد مات ذلك الرجل الذي اطلق اسمه على هذه الحقبة من تاريخ أدبنا".
***
يوجد الفيلسوف ليطرح الاسئلة.. هكذا وضع سقراط تعريفاً للفلسفة، والفيلسوف يؤدي وظيفته بشكل أفضل كلما ازداد عدد الاسئلة التي تشغل أذهان الناس.
في كتابة سيرة برتراند رسل يكتب آلان وود إن"رسل بدأ يسأل الأسئلة النفاذة بمجرد أن تعلم الكلام"وتكتب أمه بعد مولده بثلاثة أيام:"إنه يرفع رأسه عالياً ويتلفت حوله بطريقة نشيطة للغاية".
ولد برتراند رسل في 18 أيار عام 1872، ونراه يؤكد في سيرته الذاتية إنه ولد لكل يسأل عن معنى الحياة؟، ويضيف إنه ما أن بلغ العاشرة من عمره حتى كانت كتب الفلسفة هي المفضلة لديه، فمن خلالها أراد أن يعرف قيمة أن يمتاز الانسان بالعقل، وأهمية التنوع داخل المجتمع، ورفض الاعتقاد باسلوب واحد للحياة. ويذهب بعيداً في إعلاء شأن العقل ودوره في تحقيق السعادة والرفاهية للانسان فيكتب في كتابه"انتصار السعادة"بأن الأفراد الذين يطورون من قدراتهم، يصبحون على فهم صحيح. وحتى يتطور الأفراد فإنهم يحتاجون الى الحقيقة، وحتى يحققوا ذلك التطور أيضاً، يجب أن لايكونوا مستقبلين طيعيين لما يردُ اليهم من الناس ويعتبرون إنه الأفضل بالنسبة لهم، ويجب عليهم ان لاينقادوا وراء ما يقوله الآخرون لهم، ويجب أن تتوفر للناس حرية اعتراض بعضهم على بعض بشأن كيفية العيش بالأسلوب الأفضل، وليس بإجبار بعضهم بعضاً على العيش بطريقة معينة.
أصبح برتراند رسل الممثل الحقيقي لكلمة"فيلسوف"في القرن العشرين وبدا له دور الفيلسوف مناسباً، بشعره الأبيض وملامحه الجادّة الصلبة، والغليون الذي لم يفارقه. كان أول من قدم محاضرة اذاعية عن الفلسفة عام 1949، وأصبح كتابه"تاريخ الفلسفة الغربية"الأكثر مبيعاً في العالم، بدأ حياته بكتاب"الديمقراطية الاجتماعية"وانتهى بجرائم الحرب على فيتنام، هو أول فيلسوف يمنح جائزة نوبل، وفي العام 1961 وفي عمر التسعين تحمل السجن بسبب دعوته للاحتجاج ضد الحروب. كان يدعي انه مقاد بـ:"مشاعر ثلاثة بسيطة، لكنها قوية غامرة: التوق الى الحب، البحث عن المعرفة، والشفقة التي لاتطاق لمعاناة الانسان"، افضت كتاباته الواسعة بشكل كبير الى تسميته بـ"فولتير القرن العشرين".
كان عمله الأول الذي أسس له مكانة كفيلسوف اجتماعي كتابه"عبادة الانسان الحر"كتبه عام 1902. ويهدف الكتاب الى تأمين عزاء مقبول وعقلاني لغير المتدينين، إلا أن كتابه الذي وضعه على كرسي الفيلسوف هو"مشاكل الفلاسفة"الذي يبدأ بسؤال على الشكل التالي:"هل هناك أية معرفة تكون مؤكدة بشكل لايستطيع إنسان منطقي أن يشكك بها؟"، هذا السؤال الذي لايبدو صعباً للوهلة الأولى، هو بالفعل واحد من أصعب الاسئلة التي يمكن أن تُسأل. لقد تمكن رسل من خلال هذا الكتاب الصغير أن يقدم لنا الدافع الحقيقي وراء اشتغاله بالفلسفة، كما جعله أول فيلسوف تُقرأ كتبه مثلما تُقرأ الروايات ودواوين الشعر، ويُنزل الفلسفة من عرشها ليجعلها تتجول في الأسواق العامة.
يخبرنا رسل إن الحافز الأساس الذي دفعه الى الفلسفة هو اكتشاف ما إذا كان من الممكن معرفة أي شيء معرفة يقينية. وقد راوده هذا الطموح بسبب أزمتين فكريتين: فقدانه الإيمان الديني، وخيبة أمله في الاضطرار الى تقبل البديهيات كأساس للرياضيات. ولهذا نراه يتجه الى المشكلات الفلسفية العامة، وكان يأمل من خلال الفلسفة أن يجد حلولاً لإزمة الإنسان المعاصر، وراح يعود الى معظم المشكلات الانسانية الواحدة بعد الأخرى ساعياً الى تطوير آرائه من خلال الأساليب التحليلية المستمدة من عمله في فلسفة الرياضيات والمنطق، والتي أسهم من خلالها إسهاماً كبيراً في المناقشات التي دارت حول المعرفة والأخلاق والسياسة والدين والتعليم وقضايا الحرب والسلام، وكان يرى إن الفلسفة فرع فني من فروع المعرفة.
توفي برتراند رسل عام 1970 ولاتزال مؤلفاته تحتل اليوم مكانة هامة ضمن مغامرة العقل البشري في البحث عن الحقيقة، وطرح السؤال المهم عن معنى الحياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram