TOP

جريدة المدى > عام > أدب الحرب في العراق بيـن الفشـل والمـبالغـة في نقـل صـورة المأساة

أدب الحرب في العراق بيـن الفشـل والمـبالغـة في نقـل صـورة المأساة

نشر في: 11 فبراير, 2018: 12:01 ص

الوجع هو صاحب الفضل الاول بخلق الإبداع، وما خلقته الحروب من إبداع ليس من الممكن أن يُنسى، فلا التأريخ الذي دوّنه الأدب سواء أكان رواية أو قصة أو قصيدة أو مقطوعة نثرية، ولا النفوس التي خلفتها الحروب لتُصبح فيما بعد مادة إبداعية جيدة وليُصبحوا اصحابها أبطالاً في رواياتٍ يجسدوننا نحن ويعكسون أنفسهم التي ستُكتب بأسماء مستعارة على السطور، كل هذا "التأريخ، الحدث، الشخصيات" من مُخلفات الحروب القديمة التي من شأنها أن تصبح فيما بعد مادة ابداعية جيدة لاتحتاج سوى لتقنيات عالية في الكتابة لتأخذ حيّزها من ذاكرتنا...

 

على الصعيد الشخصي أتحدث كقارئة ولست خبيرةً أدبية، كما إني أجد أن الاعجاب وتحليل نص أدبي ماهو إلا وجهة نظر، ذلك أن الادب مادة تلامس الروح والمشاعر، لا المنطق ولا العقل، فهو ليس بقاعدة فيزياوية أو معادلة كيميائية ثابتة ومُسندة الى تجارب، ولا هي بقانون رياضيّ وحتى الاخيرات أصبحن في وقتنا الحالي قابلات للخطأ وإعادة النظر، فأنا سأتحدث كقارئ ولم أُطلق على نفسي يوماً مُسمى خبير أدبي...
أجد ومن وجهة نظري إن الحرب الالمانية بالدرجة الاولى هي أبرز من خلّفت لنا أهم الأسماء الادبية، في الواقع لم أقرأ لشخصيات أجادت في نقل واقع الحرب بشكل ادبي كما فعل الكُتاب الألمان، وبحسب قراءاتي لهاينرش بول وأريك ماريا ريمارك، وكان الأخير قد أخذني في ليلة واحدة تحدث خلالها عن بشاعة الحرب الألمانية بصورة غاية في الروعة، برع ريمارك بأن يُسكنني الحدث وينقُل لي هول المشاعر ووجعها آنذاك في روايته "ليلة لشبونة"، ولم يقلّ أداءه في نقل رعب ووجع الحروب ومخلفاتها في ثُنائيته "للحب وقت وللموت وقت" ومع قدرته العبقرية في نقل الواقع الأليم لتلك الحقبة استطاع استخدام تقنياته الروائية ببراعة عالية...
وقد تقودني هذه القراءات لإطلاق تساؤلات عن واقعنا الادبي في العراق وما اذا استطعنا أن ننقل صورة مُعيّنة عن الحرب من خلال نتاجنا الادبي، أو على الاقل استطعنا مُناقشة موضوع الخراب والحرب ومخلفاتها بصورة مكنتنا من نقل الواقع بإيلامه ...
اسماء عراقية أدبية كتبت عن الحروب بعد عام 2003، بعضها تطرق إلى هذه الحقبة التي نعيشها وهولها ووجعها، وأخرون ناقشوا قضايا كانوا عاجزين عن الخوض بها سابقاً بسبب رهبتهم من السلطات آنذاك..
وقد يجد القارئ إن أهم الاسماء التي كتبت عن الحرب والارهاب في هذه الفترة هم وارد بدر السالم، عبد الخالق الركابي، عبد الرحمن الربيعي، وعلي بدر، وقد تخونني الذاكرة لذكر اسماء أخرى...
الحرب التي نعيشها من زمن طويل، فمن انخراط افراد من ابناء هذا الوطن لخوض حروب فلسطين أثرت على واقعنا الادبي والثقافي كما يذكر الكاتب باسم عبد الحميد حمودي قائلاً " إن الكتابة العراقية بدأت بشكل قصص قصيرة عن الحرب كنتاجات عبد المجيد لطفي وخالد الدرة ويوسف مكي وآخرين."
وبعد حركة 14 تموز حاول الأدباء أيضاً تسليط الضوء على تلك الحقبة وتداعياتها بشكل ادبي، يُشير حمودي إلى أن "أغلب الكُتاب في ذلك الوقت ناقشوا موضوعة الحرب بشكلها الساخر أو الرمزي احيانا، أما اليوم فنحن نشهد عزوفاً عن الكتابة بهذا الاتجاه وهذا يعود إلى الحرب النفسية التي يواجهها الفرد العراقي اليوم."
وقد نلتمس اليوم مُبالغة بعض الشيء نتيجة تسليط الكُتاب من شعراء وروائيين وقصّاصين في تسليطهم الضوء على موضوعة الحرب وهذا ما يُصيب القارئ بالملل، إلا أن حمودي يجد "أن الادباء لم يبالغوا في الكتابة عن الحرب بالعكس فالواقع الذي عشناه أكبر حتى من تلك الروايات التي كُتبت." مؤكداً "إن اأدب الحروب من واجبه أن يُدوّن المرحلة، وعلى الكاتب أن يتفوق على ذاته في نقل صورة تلك المرحلة، إضافة الى طريقته في استخدام تقنيات الكتابة وادخال موضوعة الحرب في قصة وحكاية مُحبكة يخلقها الكاتب."
وأكد باسم حمودي أن "اسباب سأم القُراء من موضوعات الحرب التي طُرحت بشكل كبير بعد 2003 ليس بسبب الفكرة التي يتطرق لها الكاتب "أي الحرب" وانما هذا يعود الى عدم إجادة الكاتب في طرح موضوعته بمستوى الألم."
بعض الكتابات فيما يخص أدب الحروب كانت تعبوية وأخرى كانت تهكمية، الناقدة نادية هناوي تذكر "إن ما كُتب بشكل تعبوي وشعاراتي ودعائي سرعان ما إنطفأ، سواء أكان رواية أم قصة أو شعراً، أما النصوص التي جاءت ساخرة من الواقع ورافضة للحرب صمدت وخُلدت في ذهن القارئ ومازال تأثيرها واضحاً حتى اليوم، كما ماتزال متداولة حتى يومنا هذا."
الموضوعات التي ناقشت مرحلة الحرب العراقية الايرانية جاءت تعبوية كما ذكرت هناوي مُستندة الى احصائيات أدبية، وذاكرةً إن "القلة القليلة من الادباء ناقشوا الحرب بشكل رمزي خاصةً في فترة النظام السابق حيث لم يكُن للكاتب تلك الحرية المُتاحة." مؤكدةً " أن الحرية المُتاحة للكُتاب اليوم حالة صحية وجيدة مكنتهم من وصف الحرب بشكل أوضح وأكثر واقعية بعيداً عن الرمزية."
التصوير الواقعي للحرب مكّن القارئ من اقتناء العديد من النتاجات الادبية بعد 2003 تذكر هناوي "إن الوضوح في الطرح والابتعاد عن الرمزية والمباشرة في طرح الموضوعات هي التي جذبت القارئ لهذه النتاجات لأن أغلب قُرائنا اليوم من الفئة البسيطة التي لاتُفضل التعقيد في الطرح."
الحروب والأزمات لابد أن تترك بصماتها على المناخ الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، يُشير القاص حسب الله يحيى أن " الأجواء المناسبة للتفكير تحتاج إلى الاستقرار والشعور بالحياة الآمنة الخالية من العقبات والحروب والجوع والمرض." يحيى يتحدث لنا عن دستويفسكي ومعاناته إنه يُشير الى المعاناة بشكلها العام والتي تعدّ الحروب احدى مُصنفاتها قائلاً "صحيح إن دستويفسكي كان يعاني من الصرع وغوركي من الفاقة ولكن بالمقابل كان تولستولوي مترفاً لكنه تخلى عن ترفه الذي كان يشكل ثقلاً عليه واختار الوحدة ليكتب ملحمة الحرب والسلام ." مؤكداً إن "هذه حالة استثنائية وليست قياساً ."
الثقافة هي الابنة الشرعية للهدوء والنظام والسلام ، هكذا يجد يحيى إن الثقافة بحاجة إلى استقرار لتُبدع في اشارتها الى الدمار قائلاً إن "الثقافة التي تكتب في ظل أنظمة جائرة وفوضوية تتحول إلى ثقافة دعائية لا ثقافة معرفية وتنويرية ننشدها ونسعى اليها، وبالتالي لا بد أن يكون انعكاسا على المتلقي بوصفه مستلما واعيا للخطاب الثقافي وغيابه يعني أن المثقف يخاطب نفسه ويصغي إلى أصداء ثقافته، وهذا خلل يحسن بنا الانتباه اليه، أن الإنسان خلق لكي يبني الحياة ويعمرها لا أن يهدمها وينشر الكراهية في ربوعها."
خطورة الحروب تكمن في طبيعة الرعب الذي تصنعه وفي حجم الخراب الذي تتركه لاسيما وأن عناوين هذه الحروب تتعالق مع عناوين وقواميس تقدس الموت وتضفي عليه شرعية وسموا، وكأن كل الضحايا الذين يتساقطون سيمسهم جلال هذا المقدس القاتل.
يذكر الناقد علي حسن الفواز إن "حروبنا لها ذاكرة أدبية بشعة، فكثير من الشعراء قدسوا تلك الحروب، واسبغوا عليها معانٍ فائقة وهويات تلامس مثيولوجيات الخلود والمجد، مثلما أن تلك الحروب صنعت لنا كثيراً من المقابر الواقعية والمهاجرين الواقعية، وكثيراً من الأوهام ومظاهر الأدبيات الفاشلة والعصبية. والضحايا الذين لا عناوين لهم. سوى ذاكرة الحروب."
يتحدث الفواز عن تأثير الحروب على الأدب في هذه المرحلة قائلاً " منذ أكثر من عام ولانثربولوجيا الحرب حضور غامر في سردياتنا وحكاياتنا في ادبياتنا الشعرية بشكل خاص، فهي دائما حروب جهادية وباعثة على الخالص والدفاع عن قيم الفرقة الناجية، هذا التأدلج اصطنع لها خطاباً كراهيّاً، وصورا تشتبك فيها البشاعة مع الجمال، والموت مع الحياة. "
يجد الفواز أن هنالك تمثيلات مرعبة في سياقات العمل الادبي من خلال نقله لصورة الحروب ويقول " هنالك تمثيلات مرعبة في سياقات عمل اللغة والأدب والفن، وحتى في سياق تلقي الخطاب الثقافي من قبل القراء، فاللغة الأدبية خضعت الى لعبة الخداع السياسي والى بروباغندا السلطة وهي تروج لحروبها الكبرى."
ورغم الترويج الذي يجده الفواز في الادبيات التي تناقلت حكاية الحرب إلا انه يذكر أن" هذا لايعني تعطيل فكرة الحق في الدفاع عن الذات الإنسانية وعن حريتها ووجودها والذي يعطي لمثل هذه المواجهات نوعاً من الانسنة التي تعمق معاني الدفاع والنضال عن مشروعية أن نحيا بكرامة وأن نناضل من أجل حقوقنا الإنسانية والوطنية."

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram