TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في التقسيم الجندري للأدب

في التقسيم الجندري للأدب

نشر في: 3 فبراير, 2018: 09:01 م

لا أميل شخصيا الى حجز الابداع في الغيتوهات المغلقة والفصل بين الأعمال الروائية على أساس جندري – نسوي باعتبارها أعمالا تمثل ( أقلية ) أو (فئة مهمشة ) يجري التعامل معها بطريقة مختلفة عما ينتجه الكتّاب مثلما هو سائد في بعض التنظيرات الغربية والعربية ، وانما الأجدى أن يتم التعامل مع النصوص على أساس توجهات كل كاتب / كاتبة وسمات أعماله / أعمالها التي تميز جهدهما الابداعي : لغة وبناء ومميزات سردية واشتغالات معرفية، وغالبا ما أتلمس نوعا من القسر في حجر روايات بعض الكاتبات ضمن زاوية الكتابة النسوية ، وأرى مقابل ذلك أن يتم التعاطي معها ضمن السياق العام للنتاج الروائي في كل بلد ؛ فهو الأكثر ضمانا للتعامل النقدي العادل مع الأعمال الروائية ، مع علمي بأن بعض الكاتبات يحتفين بالمكوث في منطقة (الادب النسوي) ويتكئن على هشاشة الأنوثة وتشكياتها في طرح مواقفهن ازاء الحوادث والمتغيرات ، وعندها سيتم التعامل مع نتاجهن على أساس السمات الانثوية المتمثلة بمحدودية رؤيتهن للعالم والمصير الانساني وابتعادهن عن الانشغالات المعرفية والفكرية ، واستغراق نصوص بعضهن في إدامة التدفق العاطفي المغناج الذي يغدو فخا شهيا لبعض القراء والنقاد وبالتالي لايسري على نتاجهن التفحص النقدي الصارم الذي تخضع له أعمال الروائيين .
عندما ترجمت كتاب ( تطور الرواية الحديثة ) للبروفيسور جيسي ماتز والصادر عن دار المدى - وهو كتاب نقدي يمتلك اهميته في تصديه لمميزات الحداثة في الرواية الحديثة - وجدته يتعامل مع جميع الأعمال الروائية من جهة تمثلها للحداثة منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا من غير أن يشير إلى بعض الاعمال بأنها أعمال نسوية ؛ فروايات الكاتبة جورج اليوت وفيرجينيا وولف أو ويلا كاثر وسلفيا بلاث ودوريس ليسينغ وايريس مردوك وتوني موريسون وجيانيت وينترسون لايجري التعامل معها في الدراسات الأدبية كونها أعمال نساء بل باعتبارهن كاتبات منتميات لنمط روائي معين : رواية حديثة ورواية معاصرة أو رواية فلسفية أو رواية تاريخية أو رواية خيال علمي أو رواية سايكولوجية ، كما لاحظت ذلك في ترجمتي لكتاب ( الرواية المعاصرة ) للبروفيسور روبرت ايغلستون وفي كتاب ( مقدمة كامبردج للآداب مابعد الكولونيالية )للبروفيسورة لين إينيس التي لم تتعامل في عملها مع الكاتبات على أنهن كاتبات رواية نسوية ..
فتحت نزعة ما بعد الحداثة الأبواب أمام التقسيمات المختلفة وآزرت الالتفات الى الفئات المهمشة والمهاجرة وروايات التعددية الثقافية لتأكيد قيم التسامح والتعايش بين تلك الفئات، غير أن هذا التأكيد المفرط عل التمييز بين انتماءات الأعمال الأدبية أدى إلى تشوش معايير الحكم النقدي على النتاجات الأدبية المحصورة في نمط ما أو تلك التي كانت تمثل فئة معينة وانتهى الأمر الى ظهور مدارس نقدية مخصصة لكل فئة اونمط ادبي مما يناقض فكرة تداخل وتمازج الثقافات التي بشرت بها العولمة بدءً ؛ ثم مالبثت العولمة أن أعلنت مباركتها لتعميم التوجهات الفئوية في الأدب والفن والسينما فعززت الفوارق والتناقضات بين القوميات والاعراق المختلفة وفككت العلاقات بدلا من تمازجها وتداخلها ضمن أطر انسانية عامة ؛ فقد انبثقت من قلب التقسيمات المستحدثة صراعات ثقافية اثنية دموية وصراع هوية جندرية لتأكيد الذات بدل التعامل مع الثقافة كنتاج مجتمع انساني بأفق شاسع رافض للتمايز الجنسي والعرقي والاثني.
هذه وجهة نظري التي أستند إليها كموقف فكري واجرائي فأعتذر دائما عن حضور المؤتمرات والندوات والانشطة التي تكرس التقسيم الجندري في الادب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram