TOP

جريدة المدى > عام > الرشاقة الروائية.. الدخول الآمن لرواية "جمهورية مريم"

الرشاقة الروائية.. الدخول الآمن لرواية "جمهورية مريم"

نشر في: 1 فبراير, 2018: 12:01 ص

يشتغل الروائي العراقي وارد بدر السالم في مختبره السردي بروية وصبر حاذقين، إذ يحاول السير الحثيث لإنجاز دقيق لمشروعه السردي المتواصل، فهو يطالعنا هذه المرة بروايته الجديدة "جمهورية مريم" الصادرة عن دار المتوسط لعام 2018، بـ 110 صفحة من القطع المتوسط.

أدرك السالم بجمهوريته الجديدة والرشيقة، أهم اعطاب الرواية العربية وما تعانيه مما يسمّى بالبدانة الروائية كمصطلح نحته الناقد د . سعيد يقطين، مدركاً لأخطر أمراض البدانة الروائية، وما تسببه من موت سريري لها، فالقارئ العربي يعاني من ضيق الوقت وضغط الحياة واغراءات التواصل الاجتماعي كحواجز تعيق دوامة القراءة.
أدرك السالم تلك المهمة الجديدة له ككاتب روائي، وراح يعمل على تنظيم منظومة الاقتصاد الروائي فعمل على عنصر الاختزال في مساحة المتن السردية، الذي يؤدي في نهاية الطريق إلى الترشيق، على أن يبقي اشتراطات الفن الروائي قائمة للرواية من دون الدخول في مساحة واشتراطات الرواية القصيرة "النوفيلا". فقد التزم في خارطة المبنى السردي التقليدي لروايته، لكنه عمل على مواصفات النجاح لتحقيق ما سعى إليه في بلورة واعية لمتطلبات الرواية الاقتصادية العصرية.
يخلص القارئ الواعي لسلطة القراءة بعد الانتهاء من مهمته، إنه كان مشدودا للانتقالة الزمنية المحسوبة في لعبة الزمن والمتخيل السردية، عندما يضعنا الكاتب في عام 2036 من هذا القرن. وتلك واحدة من ابتكاراته الجديدة في موت الحاضر والإبقاء على عنصري الماضي والمستقبل.
إن القراءة الواعية لتفكيك الفن الروائي قائمة على قراءة زمن الحكي من جهة وزمن الروي من جهة أخرى، فقد كان الأول يدور في عام 2036 مع تهيئة بيئية مناسبة وفضاء روائي بعنصريه الآخرين المكان والحدث، إذ ينتميان إلى عام 2006 حيث الحرب الأهلية التي دارت في العراق وقد نجا منها بطلا الرواية مريم والأستاذ كاتب الرواية التي لم تكتمل، وحين عرض عليهما الصحفي والكاتب الياباني وفريقه رقائق أفلامه التي صورها قبل ثلاثة عقود، لتعيد دورة الزمن من جديد بآلية محبوكة بدقة من دون المرور في الزمن الحاضر، الذي أبعده السالم من نسيجه السردي المتماسك بما في ذلك الأفعال، وتلك صيغة فنية عالية البراعة يبتكرها الكاتب لطعن ماهية اللحظة الحاضرة، ويبقي على ثنائية الماضي/ المستقبل وما تحمله من دلالة عالية في احالات المعنى.
تقف الرواية الناجحة على عتبة الصناعة الرشيقة في خلق الشخصيات الروائية بشكل يبعث على تأمل ما حدث وما سيحدث مستقبلا، الأستاذ وهو الصانع الروائي الذي يتوقف عن إكمال مخطوطته "نهر بغداد" حتى يقرر في نهاية مشاهدة الرقائق الفيلمية إلى العودة من جديد لإتمامها وهو على أعتاب السبعين، بعد أن مرت ثلاثة عقود تبخرت فيها ذاكرة الحروب، وكانت جديرة بقراءة المستقبل من خلال المتخيل الذي ابتدعه السالم. فبعد ثلاثة عقود كانت معظم الشخصيات تدخل في الشيخوخة ويُبقى على مريم في ألق الشباب، وتلك رمزية تحيلنا إلى الديمومة والخصب.
أما التقانة الفنية التي جاءت في جمهورية مريم، فقد جاءت مختلفة كلياً عن معظم التجارب الروائية الأخرى للكاتب السالم، عندما استدعى الشخصيات والمشاهد من رواية سابقة له "عجائب بغداد" الصادرة عام 2012 وتضمينها في روايته "جمهورية مريم" الصادرة حديثاً، ليس ليتناص معها فحسب بل في خلق متوالية مبتكرة في الروايتين في التضمين للحادثة والشخصية، تلك هي ثيمة الحرب الأهلية القاسم المشترك لهما. وتلك طريقة اعتمدها السالم غالباً في مجمل نتاجه الروائي في ابتكار فنيته الخاصة والخوض في غمارها، فهو وفي كل اصدار له يبرهن في واحدة من ابتكاراته لغابة الفن الروائي الذي يحتمل عنصري التجريب والمغامرة معا، لكنه وفي كل عمل كان يخلق الطريقة المناسبة لهذا التجريب.
" نمت ليلتها تحت وافر من المطر نوماً مريحاً" هذا المقطع ورد في صفحة 178 من رواية عجائب بغداد ويضعه السالم ضمن الهامش من ضمن التضمين المبطن ليوصل بطريقة ماكرة لدوامة الزمن الرديء.
وهذه المرة ينفتح الكاتب على ابتكار شخصية طريفة وهو صحفي وكاتب ياباني يأتي إلى قرية في تخوم بغداد ليصور ما يحدث في تلك القرية أثناء الحرب الدائرة 2006 و 2007، تلك الثيمة التي هيمنت على كثير من الروايات العراقية، وبعد مرور ثلاثة عقود يعاود الكرة ويأتي ليعرض ما اختزنه منذ سنين ليرى انطباعات الأحياء منهم على ما حدث أو ما يحدث لاحقا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram