TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صورة جانبية لغرفة التوقيف

صورة جانبية لغرفة التوقيف

نشر في: 30 يناير, 2018: 09:01 م

من يشدّهُ الحنين الى معاينة أخلاقية وفنون التعذيب التي كانت تمارسها أجهزة النظام السابق الامنية والمخابراتية فليدخل التوقيف لبضعة أيام في أيّ مركز من مراكز الشرطة في الوسط والجنوب اليوم، هناك، سيكون بمقدوره أن تسخر، وإن أردت فليشتم كل من يقول لك إن البعث ككفرة وممارسة قد انتهت في العراق، لا بل ستزيد قناعته بأن ما يمارس داخل المراكز هذه فاق التصورات والأخيلة.
كنت في زيارة لأحد الضحايا، الخارجين من مركز للشرطة، رجل من عامة الناس، يعمل موظفاً في أحد الوزارات، لم يمض على تعيينه سوى سنوات ثلاث، استدعي من قبل جهة أمنية ما، وهي كثيرة، فذهب بقدمه. ومن هناك، أودع التوقيف في مركز شرطة.... وبعد أربعين يوما خرج ليحدثنا عن ما شاهده وعاينه عن قرب، لم يتحدث بأسهاب عن النوم على جنب واحد، ولم يطل حديثه عن معاملة الشرطة أو أساليب الإهانة التي تعرض لها، فهذا مما لا ينكره أحد على أحد، لكنه كان شاهداً على قذارة الأساليب والممارسات المتبعة داخل التوقيف.
في المركز ثلاث أو أربع سلطات أمنية، لكنه لم يذكر أياً منها بحسنى، ولم ينزّه جهة ما، ذلك لأنهم جميعاً يتفنون في الايذاء والسخرية والشتم والابتزاز، فالتلفونات الذكية، الذي حاولت هيئة النزاهة العثور عليها بين فرش وملابس الموقوفين، اختفت بقدرة قادر، وباءت محاولات رجال النزاهة كلها بالفشل، ذلك لأن التلفونات هي بالاصل عائدة الى رجال الشرطة، في المركز نفسه، وهم يتقاضون عن كل مكالمة، لا تتجاوز الدقيقتين، يجريها الموقوف مع أهله عشرة آلاف دينار، وأنّ الشرطي يصعد سطح المركز ويحرك طبق التلفزيون عن موضعه، فتختفي صورة الجهاز ذلك لأنه سيتقاضى عن عودتها ثمناً، وسيكذب عليك من يقول لك إن غرفة التوقيف خالية من الهواتف والرامات والمشارط ، فهم (يعلمون) أين يخبئ الموقوفون رامات السكس وحفلات الرقص.
لا تعتقد بان الموقوف الذي سيمثل أمام القاضي كان قد أتى دون أن يدفع مبلغا للشرطي الذي سيصحبه الى المحكمة، ولن تصدق إذا قيل لك إن لكل حركة داخل وخارج المركز ثمناً، فنفرات الكباب والسجائر والهدايا من ذوي الموقوف لمأمور المركز شيء لا خلاف عليه، وإذا كنت بحاجة الى توقيعه في أمر ما يطلبه القاضي فعليك أن تجد البحث عنه بين أفراد الشرطة، فهم سيقولون لك بانه خرج من المركز إذا كان الدوام صباحياً، وسيقولون لك بأنه نائم، في المساء، وفي الحالين سيتوجب عليك أن تدفع، واختفاء وثائقك التي أودعتها عندهم، وطلبك إياها بعد خروجك بريئاً، قضية لا تتوقف طويلاً عندها، فهي من متطلبات الدفع ايضاً، تركها لديهم وذهابك لاستحصال وثائق(بدل ضائع) أهون عليك.
يجلس الموقوف (س) في ركن من الموقف، هو متهم بقضايا دعارة، تهريب قحاب الى الخارج، تعاطي ومتاجرة كريستال وقتل، لكنَّ جيبه المملوء بالدفاتر جعله السيد في الموقف، الشرطة تحترمه ومأمور المركز يستلطفه، يأتيه الطعام من المطاعم الفاخرة ويطعم الشرطة ومأمورهم ولا يتعرض للتعذيب ولا يشتمه أحد. أما أبن أحد كبار المسؤولين، المتهم بقضايا كبيرة، فقد ظل خارج غرفة التوقيف. ولأن كاميرات المراقبة لا تصل غرفة التواليت فقد تناوب الشقاة من الموقوفين، الذين انقسموا فريقين، على اصطحاب الصبي (الجرو) بتعبيرهم الى هناك، ومن ثم لتخرج المشارط من الفريق هذا على الفريق ذاك، ولتمسي غرفة الموقف على ما أمست عليه . فهنيئاً لنا بالتغيير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram