TOP

جريدة المدى > عام > الشاعر فوزي كريم القلب المفكر.. صلب وليّن

الشاعر فوزي كريم القلب المفكر.. صلب وليّن

نشر في: 30 يناير, 2018: 12:01 ص

صدر عن دار المتوسط كتاب جديد للشاعر فوزي كريم وهو بعنوان مثير ، لا لأغراض تسويقية / تجارية ، بل لأن الشاعر أراد أن يعطي العنوان عتبة كبرى تمتلك التأثير القوي على القارئ وتنجح في جذبه الى القلب الذي بمستطاعه أن يفكر. والعتبة الكبرى/ الاولى في الكتابة ممتلكة للاغواء بسبب حضور الشعرية القوية التي منحها فوزي كريم لكتابه المتكون من خمسة أبواب ، تضمنت عناوين جانبية، تمثل عتبات أخرى، أو هي العتبة الثالثة بعد القلب المفكر ، والثانية: القصيدة تغني ولكنها تفكر أيضاً .

لا نستطيع عزل القلب عن الشعرية وفضاء العقل ، المزدوجة حاضرة ومتداخلة ولكن أهم ما أثاره هذا العنوان هو ثنائية الشعر والفلسفة ، ربما هي المرة الاولى التي جعلها فوزي كريم عتبة أولى في كتابه ، لكنه قال بالثنائية في حوار له أو في مقال سابق . وأنا واثق من ذلك ، لأن الشاعر فوزي كريم أحد الشعراء الكبار وبثقافة غزيرة وعميقة ، وما يدل على ذلك ما تمظهرت العتبة الثالثة ، الفنية ، بالعنْونات المعبرة عن اجتهادات فوزي وعمق إلتقاطاته أثناء القراءة ، لأن ما يكتبه من مقالات هي انشاءات ذكية على القراءة المستمرة التي لا تكتفي بما يلتقطه ، وإنما يذهب باحثاً عن مكملات لصوغ مقال أو دراسة وأنا أعرف ذلك وهذا ما تبدى لي وأنا أقرأ بدقة الحوارات الصادرة معه ، ومن حق المثقف أن يلتفت للأمام ويلتقط مجوهرات هو بحاجة اليها ، ليرمم بناءه ويقدمه بطريقة عالية الدقة وشعرية اللغة ووضوح الفكرة التي دائماً ما يجعلها فوزي كريم واحدة ، لكن واحديتها غير منغلقة ، بل منفتحة ، إذا وجدت ضرورة ملحة لحيازة ما هو جديد لخلق فكرة تتجاور مع الاولى وتغنيها وتغتني هي بها أيضاً ، وبودي التنبيه الى أن فوزي كريم ذكي جداً في إلتقاط شذراته وترصيفها جوار الأول ، ويؤسس ثنائية جوارية ، ترسخ نوعاً من الحرية الضرورية جداً والتي هي بذات الوقت رضى بالعقل الذي يقود المختلف أو المشترك بين الثنائية ، ولكنه _ العقل يغذي الحوار ويفتح الكلام بعضه مع البعض الآخر . وفوزي عارف _ ومن يتابعه يتوصل لذلك _ بأن الكلام نوع من الحضور القوي بالنسبة للشاعر ، لأنه / الكلام / يتكلم . وهذا ما قاله هايدجر عن الشاعر تراكل . من هذه الشذرة الكامنة في كتاب فوزي وما يقوله انبثقت عتبة العنوان الكبرى .
فالقلب المفكر ارتضى المجاورة مع العقل ، المتجه له وكلاهما القلب والعقل يكملان أحدهما الآخر ، وينفتحان جيداً على التداخل وارتضاء التشكل الأعمق ، وأعني به الشعر والفلسفة والشاعر فوزي كريم يدرك ذلك ويعي التفاصيل بشكل جيد جيداً ، لأنه لا يقطع الصلة بين ما يراه العقل ويقرأه القلب فالصورة هي من أولويات اليومي أو المتخيل والخيال ، وهذا حضور قوي للصورة التي قال عنها فوزي بالفكرة المرئية لأنها ليست تجريداً ، بل تنطوي على تفاصيل مشهدية وفيها تلميحات العاطفة ، ويبدو أنها " صدرت عن عاطفة ، ثم تجسدت في صورة ، وتعالت عبر نظام موسيقي بالغ الرهافة في فكرة المصادر الأربعة : العقل ، المخيلة ، العاطفة والموسيقى ، لا تنفرد كل منها بانها في لحظة نادرة كهذه اللحظة ، اللحظة الشعرية ، بل تأخذ كل واحدة صيغة الأخرى ، تتواشح معها ، تنضفر ، ثم تتوحد في الحياة العملية حين يصرخ أحدنا مستشيطاً ، يرتفع ضغط الدم لديه ، وتضطرب أسلاك العصب فيرتجف وتبتل العين والأنف وتنهمر المخيلة بدفنه صور خاطفة ، يحصل كل هذا وأكثر عن غير إرادة .
لقد اكتشف كانط إن الطبيعة لا تمنح العقل البشري قوانينه الخاصة ، لكنه العكس هو الصحيح ، فالعقل هو الذي يعطي الطبيعة قوانينه الخاصة . ونذكر عبارة كانط الشهيرة : العقل مشروع الطبيعة . وهكذا يتضح إن قوانين الطبيعة تعتمد على تصورات العقل البشري .. وقال إن العقل مفتاح لما نجربه ونختبره وما نعرفه وما لا نعرفه ، وأن أي شيء نختبره أو نعرفه يرجع الى العقل نفسه . وقد إلتزم هيغل وماركس وشوبنهور وسارتر وفوكو بوجهة نظر كانط هذه المعنية بطريقة تفسير وفهم عقولنا للأشياء / علي حسين / دعونا نتفلسف .
لو تبدّت كل هذه الأعراض في صورة لبدأ الكائن في عين من يراه تكويناً غامضاً ، غرائبياً ، لا علاقة له بالواقع من قريب أو بعيد . ولذا تبدو القصيدة في وعي قارئها غامضة وغرائبية ، لأن اللغة فيها خرجت في لحظة عن طورها ، وعن منطقها المعهود . وأصبحت لغة أخرى ، غير لغة القاموس غير لغة البشر / فوزي كريم / القلب المفكر / دار المتوسط / 2017/ص13//
اعتذر عن النص الطويل الذي وظفته من كتاب الشاعر فوزي كريم ، لأسباب عديدة أهمها الكشوف التي أشار لها عن الثنائية بين العقل والقلب ، الصورة المرئية أو المتخيلة ، ازدواج الشعر والفلسفة . والثنائية الأخيرة ، أكثر خطورة لأن آلان باديو وهايدجر تحدثا عنها كثيراً واختبرهما عديد من الفلاسفة الشعراء شوبنهور / نيتشة / هايدجر / ماركس / ومن يعاود متابعة هذا الكتاب سيجده في الشعر والفلسفة والتجربة وهي تعيش زمنها الخاطف / الترقي والذي اسماه فوزي كريم بوقت مبكر باللحظة الشعرية ، هي زمن الشعر الغامض ، المضيء ، المعتم في مواجهة الشاعر له ، وعليه أن يمسك بجمرة اللحظة الشعرية وكل الخفاء الكامن منها . كما أن الشاعر فوزي كريم تكلم وقال كلاماً كاشفاً ، وهو كلام يتكلم كما قال هايدجر وفضح اضطرابه وقلقه ، مخاوفه وحيرته ومصيره القلق ، المرتبك وهو يواجه الغير الغائب والملتقطة تفاصيله بالشعر من أجل ان تنتصر الذات التي خربتها رعدات اللحظة الشعرية والتي دمرت ولم تترك غير الشاعر مرتبكاً وخائفاً . المقطع الطويل المستعار عن الصفحات الأولى من كتاب فوزي كريم " القلب المفكر ، القصيدة تغني ولكنها تفكر أيضاً " ومن الأسباب الاخرى المرغمة لي على الاستعارة الطويلة هو بوح الشاعر واعترافه بالتجربة الشعرية الذاتية وهوسها وما قاله اعتراف حقيقي وصادق ، قاد الشاعر نحو طريق الإعلان والكشوف وأضاء لنا صورته المرئية وغير المرئية ، هو وحده يراه عبر تفاصيلها ، أو من خلال ما تمركز بذاكرته وذهنه منذ سنوات ، وغير مرئية من قبل الآخر ، على الرغم من أن الشعر واقتراب لحظته الشعرية لا يخاف الآخر ولا يتعصب منه ، إلا أن الشاعر اعترف طواعية وكأنه يقدم توصيفاً شعرياً بالغ الدقة والرهافة وقد تمكن من رسم الإطار العام وحدوده الدالة عليه وهو يرسم بورتريته الشعري . وأنا واثق هذه تجربة خاصة جداً ، فريدة كلياً ، فياضة ببلاغة الكشف عن العلاقة مع الشعر في لحظته الرعدية . كما أثق وهذا ما تسرب لي عبر ما قرأته لفوزي بأنه ينثر علينا ثقافته وفلسفته وعلاقته مع الشعر عندما يكتب شعراً ونثراً . إنه شاعر من طراز الكبار المثقفين جداً وأنا لم أقل ما جعلته ضمن مخطط مقالتي . لكني سأعاود الكتابة مرة أخرى عن علاقة فوزي الشعرية والفلسفية وماذا تعني القصيدة التي تغني ولكنها تفكر أيضاً

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

اليابان تسجل انخفاضا قياسيا في عدد السكان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram