adnan.h@almadapaper.net
كنتُ أتمنّى أن أقرأ تصريحاً، كهذا التصريح المنقول عن مسؤول إيراني، لمسؤول عراقي في وزارة التجارة أو وزارة الزراعة أو وزارة الصناعة أو رئاسة الحكومة، ولكن في اتجاه معاكس، عراقي، بالطبع.
المسؤول الإيراني، وهو مدير السوق العراقية في منظمة تنمية التجارة الإيرانية مهدي نجات نيا، صرّح بأنّ"العراق يستورد 99 بالمئة من احتياجاته التي تُقدّر بنحو 50 مليار دولار وهو بلد مستهلك في جميع المجالات". لقد صرّح بهذا الكلام ليحثّ المنتجين الإيرانيين على زيادة تصدير سلعهم إلى العراق، قائلاً إنّ"العراق يُعدّ أحد أفضل الأسواق التصديرية بالنسبة لإيران"، ومنبّهاً إلى أنّ أحد أسباب قلّة حصة إيران في السوق العراقية"هو أنّ الشعب والمنتجين الإيرانيين ليس لديهم المعلومات الكافية عن إمكانات السوق العراقية"، ومؤكداً أنّ إيران بإمكانها تصدير السلع الى العراق بقيمة 7 مليارات دولار (سنوياً).
بدافع من وطنيته، بالتأكيد، قدّم المسؤول الإيراني هذه المعلومات ليَلفت نظر المنتجين في بلاده إلى الإمكانات الاستهلاكية الهائلة للسوق العراقيّة حتى يستثمروا الفرصة الذهبية.
الأمل الدائم المتواصل أن يتحلّى المسؤولون العراقيّون بوطنيّة في مستوى وطنيّة المسؤول الإيراني ليلفتوا الانتباه والاهتمام إلى الخطورة البالغة في ما نحن فيه، فربّما نحن البلد الوحيد في العالم الذي يستورد 99 في المئة مما يحتاج إليه ويستهلكه من سلع وخدمات. هذا الرقم يعني أننا عند مستوى الصفر تقريباً على صعيد الإنتاج الزراعي والصناعي، وهذه حال غير مسبوقة أبداً، فعلى الدوام كان العراق في الماضي يسدّ احتياجاته الغذائية في الأقل من زراعته المرويّة بمياه نهرين كانا الأساس في قيام حضارات عظيمة غيّرت مجرى التاريخ الإنساني إلى الأفضل مرّات عدة.
كم كان سيكون جميلاً لو أننا قرأنا قبل تصريح المسؤول الإيراني تصريحاً لمسؤول عراقي يقول فيه: أودّ أن أحذّر الجميع، دولةً ومجتمعاً، من أننا بإزاء كارثة حقيقية.. إننا نستورد 99 في المئة مما نأكل ونلبس وما نتعلّم ونتعالج به ونستعمل لاستخداماتنا اليوميّة الأخرى!
باستثناء اثنين أو ثلاثة من أعضاء الحكومة، وعدد من النواب لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، لم نلمس من الآخرين، على مدى السنوات الأربع الماضية ولا في عهد الحكومات السابقة، حرقة بدافع وطني في التصريحات بخصوص الكارثة المُحدقة بنا زراعياً وصناعياً.
في كل مرة تتشكل فيها حكومة جديدة يشار في منهاجها الوزاري الى واجب إحياء الزراعة والصناعة، وهذا ما يتكرّر في مفردات الموازنة السنوية للدولة، بيد أنّ زراعتنا وصناعتنا تتراجعان بثبات إلى الخلف. ومما يفاقم من المشكلة أنّ كل حدودنا مُشرعة الأبواب تماماً أمام السلع القادمة من دول الجوار وغيرها بفضل الفاسدين والمفسدين المرابطين عند نقاط الحدود، سواء كانت رسمية تسيطر عليها الدولة شكلياً أو غير شرعية تديرها وتحميها الأحزاب والميليشيات والعصابات المسلحة، مما يؤدي إلى خراب متواصل للزراعة والصناعة، فما ينتجه الفلّاحون والمزارعون والصناعيون لا يمكنه منافسة البضائع القادمة من مختلف دول العالم بأسعار متدنّية.