كنت قد سمعت الكثير عن ذلك الرجل الصحفي الملتزم الذي اشتهر بكونه مدافعاً صلباً عن حقوق الإنسان، ومناضلاً جريئاً لأجل حرية شعبه وكان طبيعياً أن يكون رجل بهذه المواصفات مطارداً من قبل السلطةالفاشية. لقد أسعدني الحظ بلقائه أوائل السبعينيات من القرن الماضي وجهاً لوجه في مكتب الشهيد دارا توفيق الذي قدمني إليه.لقد سررت حين سمعت الأخ دارا ينطق باسمه ــ الأستاذ فائق بطي ــ لقد انبهرت بهدوئه وتواضعه الجم وأناقته، لقد كان آنذاك سكرتير تحرير صحيفة التآخي التي كان يرأس تحريرها الشهيد المناضل دارا توفيق الذي كان يبحث عن العقول النيرة وحملة الفكر التقدمي لينشروا أفكارهم في صحيفته التي كانت لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأذكر بأن الأخ دارا وصف الأستاذ فائق بطي بأن هذا الشبل من ذاك الأسد إشارة الى والده الأستاذ رفائيل بطي صاحب جريدة البلاد والوزير في وزارة الدكتور فاضل الجمالي والنائب لعدة دورات في مجلس النواب العراقي الذي كان بحق ملك الصحافة
* بعد أن تراجع البعث عن تنفيذ بنود اتفاقية آذار وتجدد القتال، انتقلت غالبية أسرة "التآخي" الى الجبل للإلتحاق بالثورة وهكذا حرمنا البعث من لقاء الأستاذ فائق بطي و آخرين من الكتاب والصحفيين اللامعين.
بعد مرور حوالي ثلاثين عاماً على ذلك اللقاء، ألتقيته في أربيل وتحدثنا عن مشاريعه الصحفية مبدياً استعدادي التام للقيام بما يأمرني به بهذا الصدد وفعلاً جاء الى السليمانية مع عقيلته السيدة الفاضلة سعاد الجزائري استقبلتهما بحرارة وعرفت الأستاذ على المصادر التي قد تكون مفيدة لمشروعه.ومن ثم تعددت لقاءاتنا صحبة الأخ فاروق ملا مصطفى في السليمانية تارة ومع الزميلة سروة عبدالواحد أو مع الزميلة تابان شاكر في أربيل تارة أخرى.
* لقد قامت نقابة صحفيي كردستان بمبادرة من الزميل فرهاد عوني الذي كان نقيباً لصحفيي كردستان وكان لي شرف نيابة النقيب بتكريم عميد الصحافة العراقية الأستاذ فائق بطي في إحتفال مهيب، اعتقد أننا قدمنا في حينه جزءاً بسيطاً من هذا الواجب الكبير الملقى على عاتقنا جميعاً نحن الصحفيين إزاء هذا الرائد الكبير ويمكن القول بأننا قمنا بما لم تقم به آنذاك وزارة الثقافة العراقية أو الجهات المعنية.
وبعد جهود مكثفة منه صدر كتابه الثمين عن الصحافة الكردية الذي أتحف به المكتبة الكردية، في زياراتي الى أربيل كنت أسأل عنه بشوق ودائماً أتلقى الجواب من الأخوان أو من الأخوات بأنه في الخارج وا أسفي على هذا الفراق المر، واحسرتاه على غياب هذا الرجل الفاضل الذي كان بحق عميداً للصحفيين العراقيين وأستاذاً وأخاً لهم. لقد تلقيت النبأ المفجع من أحد الأخوة الأعزاء من سكرتارية الرئيس مام جلال الذي كان بصدد إرسال مواساة الرئيس طالباني الى زوجة وأسرة الفقيد. إن الأستاذ بطي لا يرثى بكلمات عجلي لأنه كان كنزاً ثميناً من الأفكار النيرة والأعمال الخلاقة، ستظل آثاره الأدبية والصحفية خالدة لتذكرنا بمآثر مؤلفها، فإلى روحه الطاهرة ألف تحية وعزائي الحار الى الأخت العزيزة رفيقة دربه السيدة سعاد الجزائري.