وجد الكثير من الشباب بالقروض الحكومية فرصة لتحقيق أحلامهم بالزواج وفتح مشاريع عمل جديدة أو شراء مسكن، بمختلف أشكاله، شقة أو بيت متواضع، مثلما أراد ذلك الشاب أيهم، الموظف في إحدى الهيئات المستقلة، والتي سمحت لموظفيها الاقتراض من أحد المصارف الحكومية مبلغاً يصل الى 50 مليون دينار بكفالة ضامنة، أيهم المتزوج منذ سنين ولديه طفلان، فكّر بشراء البيت الذي استأجره قبل عامين وتحويل الإيجار الشهري الذي يدفع الى قسط مصرفي، لكن حُلم أيهم تبدّى كما الماء، وهو يشارف على تسلّم المبلغ الذي تُستقطع منه نسبة الأرباح مقدماً والضريبة ومصاريف أخرى، مادفع به الى إلغاء الفكرة، لكن ليس بالمجان أيضاً، إذ كلفه ذلك دفع قرابة (350) ألف دينار رسوم إلغاء القرض.
قروض متنوعة بكفالة كفيلين
المصارف الحكومية والمتمثلة بمصرفي الرافدين والرشيد، سبق وأن اعلنت عن إطلاق سلفة الـ(50) مليون دينار كبديل عن سلفة الـ(100) راتب، مشترطة تقديم مستند أرض باسم المستفيد لغرض منحه السلفة بمساحة (50) متراً ويرغب ببنائها، وإن هذه السلفة أطلقت بصلاحيات مدراء الفروع، ويكون التسديد (15) مليون دينار على الهيكل و (25) مليون دينار على البتلو و(10) ملايين، عند تسلّم المفتاح، كما أطلق المصرف أيضاً سلف الزواج والمشاريع الصغيرة التي يفضّل منحها للورش الصناعية التي تتراوح مبالغها بين (15) الى (25) مليون دينار، وبالرغم من ذلك إذا كان المشروع الصناعي موثوقاً، تصل السلفة الى (300) مليون بفائدة (7%) يُعاد النظر فيها حسب أهمية المشروع والجدارة الائتمانية للزبون، بشرط أن تكون دراسة الجدوى متقنةً ومعرفة المقترض بتسويق المنتج.
كما كشف مصرف الرافدين عن منح قروض لشريحة الأطباء بمختلف تخصصاتهم تصل إلى (75) مليون دينار، وتشمل القروض الأطباء وأطباء الأسنان والبيطريين والصيادلة وغيرها، تكون عبر مراحل متفاوتة وشروط محددة، وبحسب طالب القرض ورغبته. هذا القرض الـ (25) مليون دينار ولغاية الـ (40) مليون دينار، سيكون بضمان الراتب وكفالة كفيلين، بينما قرض الـ(40) مليون دينار، لغاية الـ(60) مليون دينار سيكون بضمان رهن العقار. مشيرا الى أن قرض الـ(60) مليون دينار، لغاية الـ(75) مليون دينار يكون بضمان رهن عقار أيضاً.
هذا في ما يخص مصرف الرافدين، أما الرشيد، فقد أعلن عن منح المواطنين سلفة بمبلغ (75) مليون دينار لشراء وحدة سكنية في المجمعات السكنية شرط الكفيل وبنسبة فائدة (4%) .كما تم تخصيص قروض للمشاريع الصغيرة تصل الى (30) مليون دينار، وللمشاريع الكبيرة يكون الإقراض حسب أهمية المشروع، فضلاً عن قرب اطلاق قرض لأساتذة الكليات بواقع (25) مليون دينار لمدة ست سنوات، وهناك قروض للأطباء بمبلغ (50) مليوناً، الى جانب منح سلف الزواج بواقع (5) ملايين دينار وقروض لشراء سيارات".
كما أقدم المصرف على إطلاق سلفة (75) مليون دينار، لشراء الشقق في مجمع بسماية وعدد من المجمعات الأخرى في بغداد والمحافظات وبنسبة ربح (4%) دون كفيل، إضافة الى تخصيص مبالغ كقروض للمشاريع الصغيرة تصل الى (30) مليون دينار، والمشاريع الكبيرة يكون الإقراض حسب أهمية المشروع.
وفي محاولة لتشجيع الزواج على الشباب، قرر مصرف الرشيد منح القروض بواقع 5 ملايين دينار للزواج، وقروض لشراء السيارات وأبدت بعض الشركات منح عجلتين بـ(18) مليوناً، كونهما سيارات إنتاجية (حمل) لتسهم بتحسين دخل المواطنين، إضافة الى الاستمرار بإقراض المتقاعدين.
الجدوى من القروض
مختصون بالشأن المالي والاقتصادي، لم يبالوا كثيراً بهذه القروض، أن تحرك عجلة العمل وتنعش الاقتصاد كونها حسب المختص الاقتصادي هيثم أحمد موسى، لم تأخذ بنظر الاعتبار الجدوى الاقتصادية وعملية تحريك الاقتصاد بقدر ماهية عملية ترويج سياسية خاصة، وأنها تزامنت مع قرب الانتخابات البرلمانية. لافتاً الى غياب الرؤية الموضوعية بالقروض، فمن غير المعقول أن تُمنح سلف الزواج للشباب وهم عاطلون عن العمل، بالتالي تتحول السلفة إلى مشكلة ربما تقف حجر عثرة أمام طريق استمرار الزواج. مشدداً على أهمية ايجاد فرص عمل مناسبة أولاً، من ثم منح من يرغب بأيّ قرض يريد أسوة بدول العالم.
ويضيف موسى بحديثه لـ(المدى) إعطاء أساتذة الجامعات والأطباء وغيرهم من الشرائح عالية الدخل قياساً بشرئح أخرى تحتاج لفرص عمل!، مؤكداً إنه بمبالغ هذه القروض، بإمكان إيجاد فرص عمل للعاطلين خاصة الخريجين منهم، يمكن مساعدتهم بفتح وتبني مشاريع عمل صغيرة ومتوسطة تسهم بتحريك عجلة العمل بشكل مدروس. موضحاً: أن هذه القروض يمكن أن تكون مفيدةً إذا دُرست بشكل اقتصادي منتج وخفّفت من شروط الكفالة والضمان وغير ذلك. سجاد محمد، شاب في مقتبل العمر، أتمّ دراسته الجامعية العام الماضي، وكحال أخويه اصطف في طابور انتظار فرصة العمل والتعيين الحكومية والتي اجهضت بسياسة التقشف نتيجة الفساد وانخفاض أسعار النفط، حاول سجاد، أن يجد فرصة عمل ملائمة، لكن كل محاولاته لم تنجح لأسباب عدّة، في نهاية المطاف وجد ضالته بالقروض المصرفية، إذ اتفق مع أحد اصدقائه على أن يجمعا قرضهما في افتتاح مشروع ربحي ولم يكن أمامهما سوى محل لبيع الملابس المستوردة، وما إن شرعا بتقديم معاملة القرض، حتى صُدما بالشروط شبه التعجيزية كما وصفها سجاد، إذ يستوجب عليهما تقديم كفيلين ضامنين براتب حكومي، لكنهما عجزا عن ذلك ما يعني نهاية حلمهما بالعمل، فضلاً عن الشروط الصادمة الأخرى.
قروض المصارف الأهلية
تتحرك لبنى بشكل يومي على المعارف والأهل، عسى أن تجد كفيلاً آخر يمكن أن يؤمّن لها تسلّم القرض من أحد المصارف الأهلية التي وضعت الكفيل بالشرط الأول، وبمرتبٍ يوازي القرض الذي تأمل منه فتح مشروع ربحي يسهم في فك الأزمة المالية التي تعانيها عائلتها ومساعدة زوجها في توفير مستلزمات المعيشة، لكن كل محاولات لبني باءت بالفشل للتتجه الى القروض (الاجتماعية) كما أسمتها، السلفة الشهرية التي نظمتها مع عدد من معارفها والجيران وتسلّمتها أولاً، لكنها عادت ووقعت في مشكلة أخرى، فأيّ مشروع ربحي يمكن أن تفتتحه بالمبلغ الذي وصل الى قرابة 10 ملايين دينار؟، وكل ما في السوق مستورد، ليكون الاختيار بالتالي شراء سيارة تاكسي لزوجها يعمل بها بعد انتهاء عمله في إحدى الدوائر الحكومية بصفة عقد منذ سنوات... المختص الاقتصادي توفيق العزاوي، هو الآخر لم يتفاءل بهذه القروض التي عدّها إعلامية ترويجية كونها لم تستند الى الواقع اليومي العراقي وما يعانيه المواطن من صعوبة توفير المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي تجاوزت معدلاتها الطبيعية في بلد يُعد الأغنى عالمياً والأفسد أيضاً. العزاوي يرى أهمية أن تكون هناك دراسة مستفيضة لهذه القروض، وأن تكون جماعية أكثر مما هي فردية. بمعنى أن يُفتتح مشروع انتاجي كبير لمن تنطبق عليهم شروط القرض من الشباب، ويتم توظيف كل متقدم حسب شهادته وعمله ويتحول المشروع الى شركة مساهمة بمرور الوقت وبعد تسديد كلفتها من الاستقطاعات الشهرية.
ويوضح العزاوي لـ(المدى) هناك مشكلة كبرى متمثلة بقروض المصارف الأهلية التي تفرض شروطاً غريبة على من يروم الاقتراض، فضلاً عن المزاجية بمنح تلك القروض وفق ضوابط تلك المصارف التي تختلف من مصرف إلى آخر حسب وجهة نظر إدارته. مشدداً على أهمية وضع برنامج وطني متكامل لتدوير أموال القروض في مشاريع انتاجية ربحية بعيداً عن سطوة المصارف والمتنفذين، وهذا الأمر لايستوجب جهوداً كبيرة بقدر وجود الإرادة الوطنية.
غياب السياسة والرؤية الاقتصادية
يصل عدد المصارف الأهلية في العراق الى قرابة 30 مصرفاً، نصفها تحمل صفة الإسلامي، لكنها تتعامل بالقروض والنسبة المعتمدة في المصارف الأخرى غير الاسلامية، كل هذا المصارف لم تستطع توفير بيئة مالية مناسبة للعمل والانتاج والمساهمة بإنعاش الاقتصاد الوطني، حسبما يرى ذلك المصرفي المتقاعد ثامر كامل، الذي يوضح لـ(المدى) أن مجمل هذه المصارف ريعية تعتاش على مزاد العملة وأرباحها الخيالية، بالتالي لاتكلف نفسها عناء البحث والعمل على ايجاد ستراتيجية مالية وطنية، فضلاً عن غياب الرقابة والمتابعة على عملها من قبل الجهات الحكومية وبشكل خاص البنك المركزي الذي يمنحهم إجازات العمل.
ويسترسل كامل بحديثه عن إشكالية القروض المالية والتي يعدها أشبه بجرعات المخدّر، كونها لم تستطع حل أي مشكلة اقتصادية، ناهيك عن غياب السياسة والرؤية الاقتصادية لتلك القروض التي غالباً ما تأتي في ظروف غير مطمئنة للجميع. منوهاً إلى الفساد الإداري المصرفي الذي يُعد عقبة كبرى في منح تلك القروض التي ذهب الكثير منها إلى أصحاب شركات وهمية ورجال أعمال (فضائيين) حسب وصفه.
لكن المصرفي المتقاعد يعود الى بوابة الأمل والجدوى من القروض التي يمكن من خلال الأموال المخصصة لها أن تسهم بحل عدد من المشكلات، مشيراً الى مشكلة السكن، مفترض أن هناك (100) مواطن يرومون بناء وحدات سكنية مختلفة المساحات من خلال الاقتراض، مقترحاً شراء الأرض بجزء من المبلغ المخصص وبناء وحدات بالجزء المتبقي وتسليمه الى المتقدمين الذين يسدّدون ثمنهاً شهرياً، أي بدل من أن يقوم بدفع إيجار للدار التي يسكنها، يدفع قسط القرض الذي تحول الى منزل. مؤكداً إن من خلال هذه العملية التي تعتمد على الموارد والمواد المصنعة محلياً، نضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.