الغناء هو أصل الموسيقى. إذ كان الصوت البشري هو أول الوسائل التي مكّنت الإنسان من إداء مجموعة من الأصوات يمكن أن تعتبر موسيقى، بالاضافة الى ما استعمل من أدوات لإصدار أصوات بالطرق أو القرع وهي أدوات الايقاع البدائية، مثل قرع خشبة مجوفة بعصا قوية أو بحجر. ثم ابتكرت الأدوات الموسيقية لاحقاً لتساعد الإنسان على الغناء حتى استقلت بذاتها لتظهر الموسيقى "الصرفة" أو موسيقى الأدوات (Instrumental music) كما يجري التعبير عنه في الموسيقى الأوروبية، في مقابل الموسيقى الغنائية (Vocal music) التي يمكن أن تؤدى بمصاحبة الأدوات الموسيقية أو بدونها، أي الغناء الصرف. كان الغناء بصوت واحد (مونوفوني) وهو المميز للغناء العربي حتى اليوم، حتى ظهور التعدد الصوتي في الموسيقى الأوروبية (بوليفونية) في البداية في الموسيقى البيزنطية اليونانية بشكل بسيط. ظهر التعدد الصوتي الحقيقي في الموسيقى الأوروبية لاحقاً.
تقسم الأصوات الغنائية حسب طبقاتها إلى أصوات أساسية، هي حسب تنازل حدّة التردد، الأصوات النسائية: السوبرانو والمتسو سوبرانو (السوبرانو الوسيط) والآلتو. أما الأصوات الرجالية فهي التنور والباريتون والباص. وهناك أقسام فرعية لكل صوت من هذا الأصوات عموماً حسب طبيعة الصوت ولونه وقوته ، إذ توجد معايير مختلفة لتقسيم الصوت إلى أقسام فرعية، مثلاً هناك صوت كولوراتورا (من كلمة اللون بالايطالية) يمكن أن نصف بها صوت السوبرانو أو الآلتو، وتدل على مرونة عالية في أداء النص الغنائي، وتعتبر الميتسوسوبرانو سيسيليا بارتولي من أشهر المغنيات كولوراتورا المعاصرات. وهناك صفة "الغنائي"، يمكن أن نستعمل كلمة الطروب العربية، فيقال عن صوت فلان أو فلانة أنه طروب، وهو صوت دافئ ورشيق وبرّاق عادة. وتطلق صفة الدرامي على بعض الأصوات التي تمتلك قوة كبيرة، من فروعه صوت التنور البطولي أو الباريتون البطولي، وهي أصوات استعملها فاغنر في أعماله المتأخرة.
استعمل المؤلفون كذلك الأطفال للغناء لعلو طبقتهم الصوتية في الاستعاضة عن الأصوات النسائية، لربما لاعتبارات دينية أو اجتماعية في البداية. ارتباطاً بهذا شاعت عادة تدريب الفتيان على الغناء وإخصاء بعضهم حتى لا يتغير صوتهم عند البلوغ، واستمرت هذه العادة حتى فترات متأخرة من القرن الثامن عشر (المدى عدد 13 شباط 2016، حلقة عن فارينَلّي وهو أشهرهم). على العموم كان هناك على مدار القرون مغنون من الجنسين ممن مكنهم صوتهم من أداء طبقات صوتية يتميز بها الجنس الآخر، وهي طبقات كونتراآلتو (تقترب من صوت التنور الرجالي) وصوت كونتراتنور ويقابل طبقة كونتراآلتو النسائية، أو حتى متسوسوبرانو. كما ظهر في العقود الأخيرة عدد من المغنين كونتراتنور الذين طوروا تقنية خاصة في الغناء لأداء طبقة مرتفعة جداً هي مزيج بين الصوت عالي التردد وتقنية الغناء المسماة "فالسَتّو" التي تعني بالايطالية المزيف أو الكاذب. فأصبح من السهولة الحصول على تسجيلات يكون فيها صوت المغني أكثر ارتفاعاً في طبقته من صوت المغنية، على وجه الخصوص أثناء أداء موسيقى عصر الباروك. من أشهر هذه التسجيلات آريا من أحد أعمال هندل من قبل كونترآلتو هي ناتالي ستوتسمان وكونتراتنور هو فيليب جاروسكي.
موسيقى السبت: أصوات الغناء

نشر في: 20 يناير, 2018: 12:01 ص