TOP

جريدة المدى > سينما > توني ايردمان لحظة الإمساك بالسعادة

توني ايردمان لحظة الإمساك بالسعادة

نشر في: 18 يناير, 2018: 12:01 ص

السينما الالمانية أصبحت ظاهرة المهرجانات ودور العرض الأوروبية ، فالكل يجري وراء أي منجز جديد لهذه السينما الساحرة ، سينما حقيقية ، جميلة ومهمة ، سينما عن قساوة الحياة المعاصرة وكيفية تقديمها بصورة مبهرة ، بسيطة وعميقة ، وباداء من شخصيات تشعرك بواقعيتها الحقيقية .

فيلم المخرجة ( مارين آدي) الاخير ، (توني ايردمان) واحد من الافلام التي تستحق أن نشاهده بروية ، سنضحك كثيرا بقدر مافيه من ألم ، قد يبدو الفيلم للبعض كوميدياً ، لكن مخرجته طرحت بذكاء قضية عميقة ورسالة هادفة عن كيفية تمتعنا باللحظة التي نعيشها ، كيف نمسك بالسعادة في ظل عالم بارد قبل أن يتسرب العمر كما الرمل من بين الأصابع ، أحتاجت ( مارين آدي ) في تمرير رسالتها هذه شيئاً من الكوميديا كي توصل لنا تناقض الحياة المعاصرة .

فمدرس الموسيقى المتقاعد ، الذي يعيش ببوهيمية ، ويأخذ الحياة بكثير من الضحك واللامبالاة يقرر زيارة ابنته الوحيدة ، والتي هي مناقضة لشخصيته ، جادة ، متزمتة ، فارغة عاطفياً ، وتعمل مستشارة في شركة اغلب العاملين فيها ذكورا ، تحاول فرض شخصيتها من أجل نجاحات أكبر ، بالتأكيد اللقاء بين الأب والابنة سيحمل الكثير من الجفاء ، فهما من عالمين مختلفين ومتناقضين ، هذا الاختلاف والتناقض هو الذي يولد لحظات الكوميديا في ظل حياة قاسية .

أمام جفاء الابنة يقرر الأب أن يطاردها فيستعير شعراً ويضع أسناناً بارزة ليفرض نفسه عليها في كل مكان تتواجد فيه ابنته ، يتلصص عليها في عملها ، ويقتحم المكان فقط من أجل أن يشعرها كم هو يحبها ، وانها يجب أن تغير حياتها ، فالحياة تنتهي ومن الجرم أن تنتهي بلا لحظات سعادة ، ذكاء المخرجة جعل من حكاية بسيطة كهذه فيلماً يفيض حيوية ومشاعر مؤثرة في رؤيته حول مفهوم السعادة ، الحب ، والعلاقات العائلية ، وبتفاصيل صغيرة ولكنها مليئة حيوية ، انها كينونة الطبيعة البشرية .

في واحد من أجمل مشاهد الفيلم يجلس الأب عند البيانو ليعزف ثم يخبر الجميع إن ابنته مغنية رائعة ، تغني الابنة وتستولي على القلوب ، تذوب في أدائها مع عزف الأب ، لحظات تجانس الحياة وسط زحام الملل والروتين ، لقد نجح الأب في تغيير نمط حياة ابنته اخيرا ً ونمط حياة من يعيشون حولها ، لحظات تعرّى الجميع فيها وادركوا أهمية الحياة والسعادة ، فقد استطاع الأب ان يجعل الجميع يولدون من جديد.

مثل هذه التحولات احتاجت المخرجة الى ممثل ماهر يدرك اهمية هذه التفاصيل ويجسدها بمصداقية ، وما قدمه الممثل (بيتر زيمونيشيك) كان صادقا وعظيماً وصل لحد التماهي في الشخصية بتعبيراته التي يحاول أن يقدم السعادة للآخرين فيما يتألم من داخله ، كان فيلسوفاً وبوهيمياً ، طفلاً وحكيماً ، أما الابنة ( ساندرا هولر ) فقد قدمت آخر ثلاث مشاهد في الفيلم اداءاً يبقى راسخاً في البال .

المخرجة ( مارين آدي ) سبق أن فازت بجائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمها ( كل شيء آخر) وبعد صمت سنوات تعود بهذا الفيلم الشفاف والذكي باداء ممثليه وحواراته الذكية لتنتصر في النهاية للعائلة وتماسك الأسرة على عبثية الحياة وروتينها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram